العالم ورأس المال والمهنة وانتحار الروبوت

08 يوليو 2024
انتحر الروبوت أثناء ساعات الدوام الرسمي (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- **الروبوتات والعمل:**
الروبوتات تُعتبر عبيداً مثاليين، لكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي، بدأت تظهر أبحاث تدافع عن حقوق الروبوتات، مشيرة إلى أن الروبوتات قد تكون لها مشاعر مادية.

- **مفهوم العمل والروبوتات:**
حادثة انتحار روبوت في كوريا الجنوبية تكشف عن العطب في مفهوم العمل الذي فرضته الرأسمالية، حيث يُعتبر العمل الطريق الوحيد لتحقيق الذات والاكتفاء.

- **الروبوتات والبشر:**
انتحار الروبوت يثير تساؤلات حول مدى تحمل البشر مقارنة بالروبوتات، ويفتح الباب أمام فرضيات الخيال العلمي حول مستقبل الروبوتات بعد انتهاء سنوات العمل.

هناك عبارة شهيرة تخص الآلات، مفادها أنهم عبيد مثاليون، لا يتعبون، ولا يطلبون إجازة، ولا يشكّلون نقابات. والأهم، يمكن لهم العمل طوال الوقت من دون كلل أو ملل. هذه العبارة الشهيرة واجهها بعض التشكيك مع ظهور الروبوتات والذكاء الاصطناعي، ونشرت أبحاث تدافع عن فكرة أن الروبوتات يجب ألا يكونوا عبيداً.
سياق العبودية السابق مرتبط بالعمل وتاريخ الاستغلال المشين، فضلاً عن الدفاع عن الروبوت بوصفه ذات مشاعر مادية غنيّة لأفلام الخيال العلمي. لكن مفارقة حدثت أخيراً تدعونا إلى التفكير؛ إذ جرى تداول أخبار عن "انتحار" روبوت في كوريا الجنوبية، بعد أن رمى نفسه من أعلى السلالم. الروبوت "المنتحر" يشغل منصباً إدارياً في البلدية. وبعد جمع قطعه المتناثرة، فُتح تحقيقٌ لمعرفة سبب انتحاره، أو توقفه عن العمل.
الجدية في تناول الخبر عبر وكالة الأنباء الفرنسية لا تنفي أنه يثير الابتسامة، لكنه أيضاً يدفعنا إلى التساؤل حول الآلات ووعيها. والأهم موقفنا منها. لكن، هل يعقل أن مهام البلدية الإدارية شديدة البيروقراطية وتثير الملل حد الانتحار؟
كثير من الأسئلة يمكن طرحها، لكن ما يهمنا هو مفهوم العمل نفسه الذي تقوم به الروبوتات عوضاً عن البشر. للمفارقة، إلى الآن لم تستبدل الروبوتات الأعمال المضنية كحفر الأنفاق والمناجم، ولا الأعمال المنزلية، بل تعاونت مع الذكاء الاصطناعي باقتحام عالم الفن وتقديم أشكال فنية جيدة وتساؤلات جمالية ونقدية، في تجاهل أن الهدف هو تخفيف العمل عن البشر كي يرسموا اللوحات ويكتبو الشعر، لا العكس.
انتحار روبوت يمارس مهنة (في اللغة العربية من المهانة أي الذل)، يكشف العطب الحقيقي في مفهوم العمل نفسه، ذاك الذي طبعت الرأسمالية وجوده ضمن الطبيعة البشرية، بوصفه الطريق الوحيد لتحقيق الذات والاكتفاء، ذاك الذي (أيضاً) للمفارقة لم يحتمله أشد منتجات الرأسمالية تقدماً، أي الرجل الآلي؛ فدار في مكانه عدة مرات ثم ألقى بنفسه. بصورة ما، لم يتوقف عن العمل، بل أفنى وجوده الذاتي، "أناه الواعية" بوظيفتها قرّرت الاستغناء عن وجودها.
الحادثة السابقة والمبالغة في التأويل تحيلنا إلى مفهوم الانهيار العصبي، أو الـBurn Out، الذي يصيبنا نحن البشر من شدة العمل، إلى حد التوقف الكلي عن التفكير. هكذا، فإنّ حقوق الإنسان والعاملين بها يحافظون علينا كآلات تعمل على حواف الانهيار، في حين أن الروبوتات، باعتبارها "عبيداً مثاليين"، غير قادرة على شيء سوى الموت. هنا تكمن المفارقة، البشر أشد تحملاً من الرجال الآليين، إذ إنهم أكثر قدرة على تجاوز تقديرهم لذاتهم مقابل نجاتهم، ضمن نظام جعل العمل هو "الحل الوحيد" لـ"كل" المشكلات.

انتحر الروبوت بعد أقل من عام على بدايته العمل في وظيفة من التاسعة صباحاً حتى السادسة مساءً، كأي موظف عادي. هذا الأمر أيضاً مثير للاهتمام: لعلّ طاقتنا على العمل طوال مدة حياتنا يجب ألا تتجاوز العام الواحد فقط. وكل ما تبقّى بعد انتهاء العمل قد يكون فترة راحة. وهنا أيضاً تأتينا ملاحظة أخرى: انتحر الروبوت أثناء ساعات الدوام الرسمي، أثناءه وليس بعده في الظلام، بل خلال ساعات العمل. المسألة أشبه بمانيفستو علني للجميع، مفاده أنّ الروبوتات ليست (ليسوا؟) عبيداً. لكن ماذا عن البشر؟ خصوصاً بعد فشل الخطة التي دعتنا جميعاً بصفتنا عمال العالم إلى أن نتحد... لا نعلم.
هناك كثير من فرضيات الخيال العلمي التي تناقش عوالم الروبوتات، سواء أكانت تحلم أم تغني أم تؤلف الشعر أم تسعى إلى دمار البشرية، أو حتى تنتحر. لكننا نادراً ما نرى فرضية عن روبوت أحيل إلى التقاعد. ما الذي سيمارسه بعد انتهاء سنوات العمل؟ أيُّ معنى لحياته بعد أن أمضى أكثر من 35 عاماً يعمل في وظيفة مبتذلة؟ كثير من البشر لا يعرفون إجابة عن هذا السؤال، وربما هذا التراجيدي في انتحار روبوت.

المساهمون