الصعود إلى الكوكب الأحمر: خذونا معكم

12 مارس 2021
مدينة افتراضية على سطح المريخ (Getty)
+ الخط -

 

أُسر العالم، أخيراً، حين بثت اللقطات الأولى لهبوط العربة برسيفيرانس على المريخ. الكوكب الأحمر كان مرئياً أمامنا، وحطّت عليه واحدة من إنجازات البشر التي نقلت لنا، نحن أسرى الكوكب الأزرق.

ثلاث لقطات لا تتجاوز الدقائق، بثتها وكالة ناسا للعالم بأكمله، ما خلق أملاً ما في ظل ما نعيشه من وباء، أمل يحركه "الإيمان" بقدرة البشر على تجاوز المستحيل، وربما الوباء. يقف، على النقيض من التسجيلات التي بثتها ناسا، الفشل المستمر لمشاريع غزو الفضاء الخاصة، تلك التي يتزعمها إيلون ماسك في مسعاه إلى "استعمار" المريخ. هذا الحلم الفيلانثروبي الذي إن تحقق فسنجد أنفسنا "جميعاً" على المريخ، لنبدأ من جديد، ونعيد صناعة شرط الحياة اصطناعياً. والأهم، سنستغني عن المناخ والتنوع الحيوي، وسنخلق هرميّة جديدة للـ"موجودات"، أساسها من يستحق المريخ ومن لا يستحقه. الأمر أشبه بسفينة نوح من وجهة نظر طبقيّة، لن نخوض في تفاصيلها.

تأمل فيديو الهبوط على المريخ ــ بكل سذاجة ــ أشبه بفيديو هواة التقط لأرض يباب، تحوي رملاً وحجارة؛ أي ليس هناك ما هو غير متوقع

المثير للاهتمام أن "الجهود" الفردية للصعود إلى المريخ، أو الفضاء بشكل عام، ترتبط دوماً بما يشبه تلفزيون الواقع، فالرحلات السياحية بدأ التسجيل عليها، وسابقاً قام مليونير ياباني، وجامع تحف فنيّة، بالإعلان عن رغبته بالقيام برحلة سياحية في القمر، وفتح باب التسجيل بداية أمام النساء، ليبحث عن شريكة لنفسه في المريخ. والمثير للاهتمام، أنه سيبث مباشرة على شبكة الإنترنت حياته معهن على القمر. الأمر يشبه برامج تلفزيون الواقع، لكن عوضاً عن جزيرة معزولة، سيتم الأمر على القمر. لاحقاً، تغير المشروع، وقرر Yusaku Maezawa أن يجعل رحلته المقررة عام 2023 أشبه ببعثة فنيّة، إذ سيسافر مع ثمانية أو 10 فنانين إلى القمر، وعند عودتهم إلى الأرض سيتم إنجاز أعمال فنية مستوحاة من رحلتهم إليه.

ما نحاول قوله إننا أمام "حكايتين" لاستعمار الفضاء؛ الأولى سياسية - عسكرية، تتنافس فيها الدول على اختراق السماء. هي محاولات جديّة، تمولها أمول الضرائب في مختلف دول العالم، والأهم، الصور الناتجة عنها لا تعد بشيء، هي رحلات استكشافيّة لإشباع الفضول وتدليل الأمل. حتى أن تأمل فيديو الهبوط على المريخ ــ بكل سذاجة ــ أشبه بفيديو هواة التقط لأرض يباب، تحوي رملاً وحجارة؛ أي ليس هناك ما هو غير متوقع... فقط قشعريرة تولدها أول مشاهدة مفادها أننا ننظر إلى سطح المريخ، ليصفعنا بعد ذلك يقين مفاده أن لا أحد منا في زمن حياته هذه سيطأ تلك "الأرض" البعيدة.

عكس ما سبق، عند تأمّل الأخبار والحكايات عن مغامرات الفضاء الخاصة، نرى أنفسنا أمام صور شديدة البهرجة، ودعوات تدّعي الديمقراطيّة؛ فالأمر وعد بخلاص البشريّة بأكملها. يترافق ذلك مع إعلانات عالميّة، وعمليات إطلاق وهبوط أكروباتيّة، الهدف منها الوصول إلى صيغة تجارية يمكن أن "يشتري" عبرها أي واحد منا مقعده إلى الفضاء.

أغنياء وأًصحاب أموال "يتسلون" بألعابهم المكلفة، تلك التي نلاحقها على وسائل التواصل الاجتماعيّ وتغذي "حلمنا" القديم كبشر، ذاك الذي مفاده أننا يوماً ما سنغادر هذا المكان المسمى الأرض

لكن حقيقة كل ما نراه، هو أغنياء وأًصحاب أموال "يتسلون" بألعابهم المكلفة، تلك التي نلاحقها على وسائل التواصل الاجتماعيّ وتغذي "حلمنا" القديم كبشر، ذاك الذي مفاده أننا يوماً ما سنغادر هذا المكان المسمى الأرض. وبالطبع، وكما في "اكتشافات" ناسا، لن يشهد أي واحد منا في عمره لحظة يتمكن فيها من قطع تذكرة وتوضيب أغراضه و"الانتقال" إلى كوكب آخر.

هناك ما هو مأساويّ في كلا النموذجين، وكأن الأمل مفقود على الأرض؛ فلا يمكن إصلاحها، الحل هو الهروب من سطحها، فالحروب والأوبئة والموت الحاضر دوماً، حوّلت الكوكب الأزرق إلى مستنقع لا بدّ من الفرار منه، لنجد أنفسنا أمام نبوءة دينيّة من نوع جديد، فردوس أو حديقة مسوّرة في كوكب آخر، داخلها الحياة والنعيم، وخارجها الموت والبرد وغياب أي احتمالات للنجاة، تلك التي يختبرها الكثيرون منا. والأهم، هذا الحلم بالرحيل الذي نراه في الخيال العلمي لا يشمل "الجميع"، هناك دوماً فئة صغيرة تنجو أو تغادر، وعادة ما يتم اختيار العلماء وأصحاب الاختراعات والأطباء النفسيين وبعض الفنانين والكتاب، والباقون يتركون لفنائهم.

لكن حقيقة، وكما نشهد الآن، فالأغنياء فقط هم الذين سيغادرون نحو الكواكب الأخرى، حيث سيحولون ترابها وخرابها إلى "قطرميزات" (مرطبانات) يسكنونها، بينما نلوّح لهم من بعيد.

المساهمون