الصحافي "الفريلانسر" في المغرب يواجه التهميش الرسمي

31 يناير 2022
لا يملك الصحافي الحر إلّا حاسوباً محمولاً وكاميرا (مانويل بريفا كولميرو/Getty)
+ الخط -

يعيش الصحافي الحرّ أو المستقل (فريلانسر) في المغرب غربة وجودية تتعلّق بمصير مهنته داخل بلدٍ يزداد عنفاً وتقهقراً. عشرات التقارير الصحافية تصدر هنا وهناك، وتؤكد انخفاض مستوى حرية التعبير في المغرب، وبطش السلطة في تعاملها اليومي مع الصحافي المستقل، والتضييق عليه وعلى مَشاغله اليوميّة المُرتبطة بحياة الناس ونقل قصصهم وحكاياتهم للقارئ الأجنبي. 
إذ سرعان ما يصطدم بقوانين المؤسسة الرسمية الزجرية والتضييق على حريته في نقل الحقيقة، بعيداً من منطق الخنوع ومظاهر التواطؤ الواضحة للصحافة الرسمية مع توجهات الدولة ونسيجها الإعلامي وأجنداتها السياسية، الهادفة إلى تكميم أفواه الصحافيين وإجهاض حقّهم المشروع مهنياً في التعبير عن الحقيقة ونوازعهم وراء خلق مشروع صحافة بديلة ومستقلة.
وقد تزداد عزلة الصحافي الحرّ في المغرب في غياب مؤسسة تدافع عن آرائه وحرية أفكاره، وتعمل جاهدة على تقديم يد العون له ولمستقبله الإعلامي. لذلك، اضطر الكثير من الزملاء، بين عامي 2019 و2021، إلى ترك المهنة ميدانياً وبشكلٍ نهائي، مقابل القبول بأعمال مكتبية ذات دخل شهري ثابت، بعدما ضاقت فسحة العمل والتفكير داخل واقع مغربي مأزوم ومعطوب. أما الآخرون، فآثروا الهجرة صوب فرنسا والولايات المتحدة وقطر والبحرين والكويت، لتحقيق أحلامهم في خلق مسيرة مهنية قوية والتعبير بحرية أكبر.
ومن لم تتوفر لهم إمكانية الهجرة والعمل داخل مكاتب أجنبية، ظلّت السلطة تطاردهم، وتحاول جاهدة العمل على دفن كتاباتهم وحرمانهم تقنياً من "جائزة الصحافة المغربية"، التي تمنحها الوزارة كل سنة في صنوف شتى من الأشكال الصحافية. ونظراً للنزاهة التي تتمتّع بها بعض الأقلام الحرة في المغرب ومكابدتها اليومية في التنقل للكتابة والحوار والتحقيق، يجد إعلام الدولة نفسه في صورةٍ تقليدية وبائسة أشبه ما تكون عليه الصحف الحزبية.

تزداد عزلة الصحافي الحرّ في المغرب في غياب مؤسسة تدافع عن آرائه وحرية أفكاره

وبينما يتمتع صحافي المؤسسة الرسمية بدخل شهري محترم وحقوق اجتماعية وضمانات صحية، وإمكاناتٍ تكنولوجية هائلة وسند رسمي يستطيع عبره التنقّل والدخول إلى أعتى المؤسسات المغربية غنى وتسلطاً، لا يملك الصحافي الحر إلّا حاسوباً محمولاً، لكنّه يناضل يومياً في نقل قصص للناس، ويدوّن حكاياتهم وأحلامهم، وينشر البهجة في نفوس القراء والمتعطّشين للمعلومة والباحثين عن فسحة تأمل نقدي في طبيعة ما يعيشه من أحداثٍ سياسية واجتماعية، بعيداً من التغطيات الرسمية والمقابلات الحكومية.
وبقدر ما تؤثّر السلطة على مجريات عمل الصحافي الحرّ، يزداد ارتباكه في فهم طبيعة مهنته ومهمّته في نظر باقي الجسم الصحافي؛ يعتبر الصحافي المغربي التابع لمؤسسات الدولة أنّ الـ"فريلانسر" شخص لجأ إلى العمل الصحافي بدافع إيجاد وظيفة ثابتة، والبعض الآخر يُعرّفه بكونه الشخص الذي لا يحب الالتزامات المهنية اليوميّة وعمل المكاتب، إذ تتيح له هذه الطريقة ضبط ساعات عمله وسهوله تنقّله واختراقه النسيج الاجتماعي والتكتلات السياسيّة، بينما يعتبره الطرف الثالث الصحافي الحر والمستقل الذي يجد في طبيعة عمله راحة كبيرة، تمكّنه من الإبداع أكثر والتعبير بطلاقة والتنقّل بين موقع وآخر ومراكمة تجربة غنية قد تمزج بين الكتابة والتلفزيون والراديو في آنٍ واحدٍ.
وليس غريباً أن يظلّ الصحافي الحر مغيباً كلّياً عن الاحتفالات الرسمية، وكأنّ التتويجات الإعلامية حكر على إعلام الدولة. ولا غرابة أيضاً أن تقام ندوات حول سوسيولوجيا الصحافي الحر، فيحضر إلى الندوة كل الجسم الصحافي الرسمي باستثناء الصحافي الحر، ما يعكس نوع التغريب والتهميش الذي تتعمّده المؤسسة الرسمية.

هذه الأقلام الحرة تبقى حاضرة بقوة داخل الصحافة المغربية المكتوبة، وتعمل جاهدة لأن تكون نبضاً للاجتماع المغربي وما يعيشه من أهوالٍ ومآزق، في ظل غياب أي تكتل مدني يعنى بتنظيم جمعية مدنية أو نقابة إعلامية مستقلة تضمن حقوق الصحافي الحر، وتسعى جاهدة إلى خلق تعاقد دائم بينه وبين باقي الجهات المعنيّة بالإعلام في المغرب، بما يضمن حقّه في الجوائز والندوات وبطاقة الصحافة، بعيداً عن أيّ شروط تقنية تسعى المؤسسة الرسمية إلى فرضها بطرق غير مباشرة.
إلى ذلك، تتزايد سنوياً أعداد الخريجين من معاهد الإعلام العامة والخاصة. لكنّ أغلبهم يظلّون تقنيون لا يمتلكون وسائل المعرفة والقدرة على الكتابة، ما يدفعهم نحو الإعلام المرئي وباقي عناصر التقنية المرتبطة بالمونتاج والتصوير وإعداد الفيديوهات، مع أنّ بعضهم يمتلك قدرات ذاتية تؤهله لأن يغدو متميزاً في طبيعة عمله البصري. لكن هؤلاء جميعاً يرفضون الاشتغال "فريلانسر"، في مجتمع مركّب مثل المغرب، يفرض طقوساً وأعرافاً على مفهوم سوسيولوجيا العمل وضرورة أن يكون مع "الدولة"، بعيداً من القطاع الخاص، فما بالك بأن يكون حرّاً، بعد الأقساط الشهرية التي يدفعها الخريجون لبعض المؤسسات التعليمية الخاصة. وبالتالي، فإنّ أغلب الأقلام التي تشتغل بشكلٍ حر درست داخل كليات الآداب والقانون، وولوجها العمل الصحافي نابع من هواجسها الذاتية وحبها للعمل الصحافي الميداني وللكتابة عموماً.

المساهمون