الصحافيون الفلسطينيون في الداخل المحتل... اعتداءات وتضييق

29 ديسمبر 2023
يعاني الصحافيون الفلسطينيون في القدس من قمع متواصل (رونالدو شميدت/ فرانس برس)
+ الخط -

تعرّض الصحافيون الفلسطينيون والمراسلون الميدانيّون للقنوات العربية لاعتداءات من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي أو مستوطنين، خلال قيامهم بتغطيات مُباشرة، لا سيما في الأراضي المحتلة عام 1948 والقدس، وكان من بينهم مراسل التلفزيون العربي في الداخل الفلسطيني أحمد دراوشة، ومراسلة قناة الجزيرة الفضائية نجوان سمري، ومراسل "بي بي سي عربي" مهند توتنجي، وغيرهم، ما يدلل على صعوبة ظروف العمل الصحافي في تلك المناطق، خاصة بعد بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وفي حديث لـ"العربي الجديد"، أكد مراسل التلفزيون العربي أحمد دراوشة أن الإجراءات أكثر تشدداً بحق الصحافيين خلال العدوان الحالي، بوتيرة أعلى مما كانت عليه خلال الحروب السابقة، مشيراً إلى تكرر الاعتداء الجسدي على الصحافيين العرب، ومحاولة منعهم من مزاولة عملهم، وحظر بعضهم عن العمل بشكل كامل، إضافة إلى تحطيم معداتهم.
وشدّد مراسل التلفزيون العربي في الداخل الفلسطيني المحتل على أنه تم التعامل مع الصحافيين العرب وسط هذا العدوان "كأعداء" أو "كمخبرين للعالم العربي، أو لحركة حماس، عما يجري في إسرائيل". وأضاف: "لقد تعرضت للتضييق خلال عملي منذ السابع من أكتوبر لأكثر من مرة، سواء من عناصر الجيش أو الأمن الإسرائيلي، أو إسرائيليّين، وفي إحداها تعرضت للتهديد من أحد عناصر الأمن الإسرائيليين بينما كنت على الهواء مباشرة، كما تعرضت فرق إعلامية أخرى للاعتداء الجسدي".
ولفت دراوشة، بحديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن جنود الاحتلال الإسرائيلي كانوا يصدرون أوامر متضاربة حول تواجد الصحافيين في أماكن بعينها، ما يخلق حالة من البلبلة والاضطراب. وشرح: "كان واضحاً أن إعلان حالة الحرب في إسرائيل جعل القرار بيد الجندي الموجود في عين المكان، بغض النظر عن رتبته، فأحياناً، وأثناء البث، وعلى الرغم من أننا نكون في مناطق غير معلنة كمناطق عسكرية مغلقة، فإننا نمنع من العمل في تلك المناطق من قبل الضابط الموجود، حتى أن أحدهم قالها لي صراحة: "نحن في فترة حرب... أنا القانون، ويحق لي استخدام السلاح ضدك إذا لم تغادر، كرد عليّ حين أخبرته أننا لا نتواجد في منطقة عسكرية مغلقة".


وأفادت مراسلة تلفزيون فلسطين، سلام مشرقي، بأن التلفزيون الرسمي حُظر من العمل في الداخل قبل السابع من أكتوبر، "ما اضطرنا للعمل من دون إشهار شعار التلفزيون"، كاشفة أنها وأعضاء فريق عمل تلفزيون فلسطين تعرضوا للاعتقال لأكثر من أربع ساعات على يد قوات جيش الاحتلال في الجنوب، في المناطق المعروفة باسم "غلاف غزة"، حيث نفذ مقاومو "القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، عملية طوفان الأقصى. وأوضحت قائلة: "كان ذلك في العاشر من أكتوبر، واعتقلت والمصور في عسقلان، وقبلها تعرضنا لمضايقات وتهديدات من عناصر الجيش المتواجدين في الميدان، خاصة أننا كنّا نتحدث العربية، وهذا الأمر كان يستفزهم. وعلى الرغم من تنقلنا من مكان إلى آخر، وبينما كنا نحضر أنفسنا لبث مباشر، اقتحمت الموقع دورية للشرطة الإسرائيلية، واعتقلتنا، رغم تثبتها من حقيقة أننا صحافيون، متذرعة ببلاغات تصفنا بالإرهابيين الذين يقومون بالتصوير لصالح أعدائهم... حاولنا المقاومة، لكن لم تنجح محاولاتنا، وتعرضنا للاعتقال بالفعل".
وقالت إن سلطات الاحتلال حققت "بفجاجة" معها ومع المصور بداية بشكل مشترك، ثم حققت مع كل منهما على انفراد، وانتهى الأمر بمنعهما من التغطية في تلك المناطق.
وأكدت مراسلة تلفزيون فلسطين أن الاعتداءات والمضايقات لم تقتصر على عناصر الجيش والشرطة الإسرائيليين، بل كانت، وبشكل أكبر من قبل المستوطنين، "فكثيراً ما كانوا يشتمونا بألفاظ نابية، وذات مرّة قذفونا بالمياه، وأحياناً يفعلون ذلك تحت حماية عناصر الشرطة والجيش، خلال البث المباشر أو التحضير للبث".
وكشف دراوشة لـ"العربي الجديد" أنه لم يتوجه إلى بيت عائلته في الناصرة، منذ بدء العدوان على غزة إلا ثلاث مرّات فقط، لكنه يرى أن الحديث عن الابتعاد عن العائلة يبدو أمراً هامشياً قياساً بما يحدث في القطاع، فهو "لا يزور عائلته إلا قليلاً، لكنه يدرك أنها تعيش في ظروف آمنة، لكن زملاءنا الصحافيين في قطاع غزة يعيشون كارثة حقيقية، حيث لا أمان على عائلاتهم، ولا عليهم، فهم وعائلاتهم معرضون لخطر القتل باستمرار".
أما مشرقي فاشأرت لـ"العربي الجديد" إلى أنها عملت بشكل متواصل في الميدان خلال الأيام الـ45 للعدوان، وبالتالي لم تتمكن من زيارة أهلها، لكنها بعد ذلك باتت تقضي يوماً كل أسبوع معهم، مؤكدة أن حياتها الاجتماعية انقلبت رأساً على عقب منذ السابع من أكتوبر.
ولفتت مشرقي إلى أن يوم السابع من أكتوبر "كان صعباً عليها، بل كان اليوم الأصعب بالنسبة لها"، إذ شعرت أن "الموت كان قاب قوسين أو أدنى منها"، خاصة أنها كانت وأفراد فريق عمل تلفزيون فلسطين يقومون بالتغطية على مقربة من المستوطنات في "غلاف غزة". وقالت: "كنا قادرين على الاستماع إلى أصوات إطلاق النار من جهة، ومن جهة أخرى كنّا نتعرض لتهديدات حقيقية من المستوطنين، ما شكل خطراً كبيراً على حياتنا، لاسيما أنهم يدركون تماماً أن ثمة ما يبرر لهم ما يمكن أن يفعلوه تجاهنا... كانت ساعات المساء يوم السابع من أكتوبر الأصعب بالنسبة لي، بحيث شعرت أنني قد لا أعيش بعد تلك الساعات بالفعل".
بدوره، لا ينسى دراوشة التأثير السلبي لتصريحات الرئيس الأميركي جو بايدن التي شكك فيها بأعداد الشهداء الفلسطينيين عليه شخصياً، مؤكداً قسوة تلك التصريحات التي يحرم من خلالها بايدن الفلسطينيين من حقهم حتى في إحصاء شهدائهم، فالتشكيك الأميركي الذي طاول كل شيء فلسطيني، بما في ذلك التاريخ النضالي والرواية، شكك في روايات من يؤكدون استشهاد أبنائهم وزوجاتهم وأزواجهم، أو آبائهم وأمهاتهم، وهو بهذا التصريح ينفي عنهم آدميتهم، ويكذبهم، في ظلم لم يتعرض له شعب على وجه الأرض، وعلى مدار التاريخ.

لا تزال حرب الإبادة الجماعية على غزة، وفي الضفة الغربية والقدس، متواصلة، ولا يزال الصحافيون الفلسطينيون يدفعون أرواحهم ثمناً لنقل الحقيقة، بحيث استشهد أكثر من مائة منهم في القطاع، وبعض الصحافيين فقدوا جميع أفراد عائلاتهم تقريباً. ويواصل الاحتلال استهدافهم، والتضييق عليهم، ويقر حينا بأنه لا يستطيع ضمان أمنهم، ثم يحرض عليهم بشكل مباشر. وكانت منظمة مراسلون بلا حدود أكدت أن إسرائيل تحوّل غزة إلى "مقبرة للصحافيين"، وذلك في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، مع استشهاد نحو عشرة منهم في ظرف ثلاثة أيام. وقدمت هذه المنظمة غير الحكومية، ومقرها العاصمة الفرنسية باريس، شكويين أمام المحكمة الجنائية الدولية، منذ السابع من أكتوبر، تطالب فيهما بالتحقيق في جميع حالات مقتل الصحافيين الفلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي، في ما وصفته بـ"جرائم حرب محتملة". كما كان نائب الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين تيم داوسون أكد أن استهداف الصحافيين عمداً يعد انتهاكاً للقانون الدولي وجريمة حرب، وذلك في لقاء مع وكالة الأناضول هذا الأسبوع.
لكنهم يصرّون على مواصلة العمل في كامل الجغرافيا الفلسطينية المحتلة على اختلاف سنوات احتلالها، ومن بينهم الصحافيون الفلسطينيون العاملون في الأراضي المحتلة عام 1948، حيث يعيشون في الميدان ما بين مطرقة قوات جيش الاحتلال وسندان المستوطنين.

المساهمون