مع زيادة التضييق على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، هوت حرية الصحافة في روسيا إلى أدنى مستوى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي. وذكرت منظمة مراسلون بلا حدود، في تقريرها الصادر الثلاثاء، أنّ روسيا تراجعت خمس مراتب في مؤشر حرية الصحافة، لتحتل المركز الـ 155 من أصل 180 بلداً، مباشرة بعد أذربيجان وقبل أفغانستان التي تحكمها حركة طالبان منذ صيف العام الماضي.
وذكر تقرير "مراسلون بلا حدود" أنّ حرية الصحافة في روسيا اختفت عملياً منذ بداية الحرب على أوكرانيا، بعدما زاد الكرملين ضغطه على وسائل الإعلام المستقلة والصحافيين، مشيراً إلى أنّ مستوى الرقابة بات شبيهاً بذاك الذي كان موجوداً أيام الاتحاد السوفييتي.
وعدّدت المنظمة الدولية أكثر من دليل على تراجع مستوى الحريات، بينها إغلاق إذاعة إيخو موسكفا (صدى موسكو)، ووقف بث قناة دوجد، وتوقف صدور صحيفة نوفايا غازيتا، منذ بداية الحرب على أوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، إلى جانب استهداف الجيش الروسي "مصادر إخبارية عدة، محاولاً إجبار وسائل الإعلام المحلية على التعاون معه". ولفت التقرير إلى أنّ الحكومة سيطرت بالكامل على مصادر المعلومات، وفرضت رقابة عسكرية واسعة النطاق، وحجبت وسائل الإعلام المعارضة، واضطهدت الصحافيين المتمردين، وأجبرتهم على الهجرة الجماعية.
وذكّر بأنّ القيود تصاعدت منذ بداية عام 2021، بعد تشديد قانون "العملاء الأجانب" ومحاكمة السياسي والمدون المعارض أليكسي نافالني المعتقل حالياً.
وراعى معدو التقرير في تحديد مستوى حرية الصحافة حظر السلطات الروسية شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وإنستغرام، إلى جانب التعديلات الجديدة في القوانين والتشريعات التي تنص على أنّ نشر أي معلومات عن خسائر أو أعمال الجيش الروسي تُعدّ مضللة إن لم تصدر عن السلطات الرسمية.
وعن ممارسات السلطات الروسية في الأراضي الأوكرانية، أشارت "مراسلون بلا حدود" إلى مقتل خمسة صحافيين وإعلاميين نتيجة القصف خلال الشهر الأول من الغزو. ولفت تقرير المنظمة إلى أنّ "الجيش الروسي تعمد استهداف مصادر المعلومات، وعمل على إجبارها على التعاون معه".
ومنذ 26 فبراير، أي بعد يومين من بدء الحرب على أوكرانيا، شددت موسكو القيود على حرية التعبير والصحافة، وطالبت هيئة الرقابة على وسائل الإعلام بحذف أي إشارة إلى الانتهاكات الروسية، كذلك طالبت بوصف ما يجري على أنه "عملية عسكرية خاصة لحماية دونباس".
ووفقاً لمنظمة أغورا الحقوقية، فقد حظرت هيئة الرقابة أكثر من 40 موقعاً إعلامياً بالكامل، وكذلك 811 رابطاً لمقالات، حتى منتصف إبريل/ نيسان الماضي. ووصل عدد المؤسسات والأفراد المدرجين في قائمة "العملاء الاجانب" إلى أكثر من 140 حتى منتصف الشهر الماضي.
وبعدما كان التركيز على وسائل الإعلام المعارضة الكبرى والمواقع الاستقصائية، عبر إدراج كثير منها في قائمة "العملاء الأجانب" وتوقف بعضها عن العمل وهروب المشرفين عليها إلى خارج روسيا، انتقل التركيز على التضييق على عمل وسائل الإعلام المحلية في المقاطعات والمناطق الروسية بشكل لافت في الشهرين الأخيرين. ففي إبريل، قضت محكمة روسية بالسجن الاحتياطي على رئيس تحرير موقع نوفيي فوكوس الإخباري ميخائيل أفاناسييف، في منطقة جمهورية خاكاسيا في سيبيريا، بتهمة نشر "معلومات كاذبة بشكل متعمد". ويواجه الصحافي في حال إدانته عقوبة بالسجن تصل إلى 15 عاماً، وذلك بعد نشره خبراً نقلاً عن مصادر أفاد بأنّ 11 من أفراد شرطة مكافحة الشغب الروسية واجهوا ضغوطاً من السلطات بعد رفضهم الذهاب إلى أوكرانيا. واحتجزت السلطات، الشهر الماضي، رئيس تحرير صحيفة ليستوك المعارضة في منطقة ألتاي في سيبيريا، سيرغي ميخائيلوف، وهو يواجه عقوبة تصل إلى 15 عاماً في السجن لنشره "معلومات كاذبة" عن القوات الروسية في أوكرانيا.
وبعيداً من فرض قيود خانقة على الصحافيين والمؤسسات الإعلامية، تعطي القوانين الجديدة صلاحيات واسعة للسلطات لتغريم أو سجن أي مواطن روسي يعيد نشر مواد لوسائل إعلام أو مراكز ومؤسسات صنفتها الهيئات الروسية أنها "منظمات متطرفة". وأشار تقرير "مراسلون بلا حدود" إلى أن الكرملين يفرض رؤيته في تغطية الأحداث في أوكرانيا على بعض جيرانه مثل بيلاروسيا، حيث تصاعدت الضغوط والقيود على الصحافيين، فحلت في المرتبة الـ 153، أي قبل روسيا بدرجتين وفق المؤشر، رغم القمع الهائل للصحافة منذ الانتخابات الرئاسية في 2020.