الدراما العربية: ما الذي تقوله لنا؟

18 نوفمبر 2024
سلافة معمار في مسلسل "زمن العار" (فيسبوك)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تتساءل المقالة عن أهداف الفن ووظيفته، مشيرة إلى أن الدراما التلفزيونية العربية لم تحدد بعد ما تريد تحقيقه، سواء كان ذلك التسلية أو التوعية أو تمثيل الواقع، وتطرح تساؤلات حول المعايير المستخدمة لقياس أهداف الفن.

- تشير المقالة إلى فشل الدراما في تعزيز الوعي بقيمة الحب، حيث تعكس صورة المجتمع كما هي، مما يعزز الفلكلور والتقاليد بدلاً من تغييرها، ويدفع بالثقافة الاجتماعية إلى مرحلة ما قبل التلفزيون.

- تفتقر الدراما إلى هدف واضح للنهوض بالمجتمعات، حيث تركز على الإمتاع دون تقديم محتوى يعزز الوعي الاجتماعي، وتساهم في تبرير العنف، مما يخدم مصالح الممولين الذين يفضلون الإبقاء على الوضع كما هو.

هل علينا بعد الآن أن نتساءل عن أهداف الفن ووظيفته؟ إذا كنا جادين، فقد تأخرنا كثيراً، فهذا السؤال قد أُجيب عنه ملايين المرات، عبر مئات آلاف الأعمال الفنية... إذ لا يمكن الإجابة عن هذا السؤال علمياً، إلا إذا حددنا له مساراً وقصداً واضحاً، ثم قسنا تأثيره إحصائياً. وبهذا يخرج الفن عن تعريفه، كإبداع، أي كإضافة غير مسبوقة على سجل الإبداع الاجتماعي.
هذه المقدمة المختصرة، ربما عبّرت عن حال الدراما التلفزيونية العربية، فما زلنا نجهل ماذا تريد هذه المسلسلات أن تقوله لنا، هل تريد أن تسلينا فقط؟ أم ترشدنا إلى الوعي الخالص بقيم الحق والخير والجمال؟ أم تريد أن تمثّل الواقع، راصدة مزاياه وأخطاءه؟
ولكن الأهم من هذه الأسئلة المتكاثرة، هو بأي معيار يمكن أن يقاس هدف الفن؟ هل بمعيار الفضيلة، أم بمعيار القانون، أم بمعايير أخرى تُرتجل حسب المناسبات الدينية أو السياسية؟
فشلت مختلف الأعمال "الإبداعية" في تكريس الوعي الضروري بقيمة الحب بين أعضاء المجتمعات، مثلاً. فالحب لا يزال ممنوعاً على أرض الواقع، أو على الأقل تمنع علانيته، وكأنه جريمة مدانة سلفاً، يجب أن تنتهي إلى نتيجة محددة هي الزواج. على الرغم من القوة الإعلامية الضاغطة، عبر التلفزيون أو منصات البثّ، لم تستطع الدراما النفاذ في أرض الواقع وتطوير قناعات المجتمع. ما سبق مثال يوضح كيف يمكن أن يصبح للدراما التلفزيونية العربية مسار معاكس لمسار الارتقاء في البنيان الاجتماعي، بل ربما عكست المسلسلات صورة المجتمعات كما هي، مشجعة الفلوكلور والتقاليد على التعمق أكثر في الثقافة الشعبية كمحرك لسلوك كانت تنوي تغييره. وبذلك بدلاً من ارتقاء الدراما بمفهوم الحب، تدفع بالثقافة الاجتماعية إلى مرحلة ما قبل وجود التلفزيون، فلا يتساوى العشاق مع الفاسدين والسارقين والقتلة، بل تكون جريمتهم أكثر خزياً، هذا ما يمكن رصده عند مقارنة وقائع الحياة الاجتماعية ومطباتها، ووقائع حكايات الدراما.
لن ندخل في باب الرقابة، فهي أيضاً خلاصة ناتجة عن العمل في صناعة الدراما، على الرغم من أنها تتحكم في العمل الفني إلى حد كبير، لكننا أمام صناع أعمال درامية، هم أنفسهم لا يريدون أن يقولوا شيئاً ولا يملكون حقوقاً وواجبات قانونية تحميهم من المساءلة، منطلقين من مقولة "الدراما التلفزيونية تعكس الواقع المعاش" وهي مقولة دوغمائية، تقصد الشيء وعكسه في آن واحد.

هل نستطيع رصد تأثير ما قدمته هذه الدراما التلفزيونية، بمعنى معرفة الهدف من قولها الإبداعي؟ فإذا اعتبرنا أن الإمتاع هو هدف متحقق ولو نسبياً، ولكن المحتوى الاجتماعي لهذه المسلسلات خاوٍ تقريباً من المحتوى الحقوقي، أي من الثقافة الحقوقية، الموحِدة التأسيسية للإجماع البشري. يمكننا مثلاً ملاحظة تأثير العنف الرمزي والواقعي الذي يهيمن على السلوكيات العامة، مما يفند الادعاء بأن الدراما تسهم في تحسين المجتمع. لكن ما نحتاجه اليوم ليس هذا التأثير، بل وعياً حقوقياً يوجه السلوك ويؤطره ضمن القوانين، حتى وإن كانت هذه القوانين تختلف عن الأعراف التقليدية.
على سبيل المثال، تخفيف العقوبات على جرائم الشرف تظهر وكأنها استثناء قانوني، بل وتجعلها بعض الأعمال الدرامية تبدو كأنها جريمة مقبولة أو مفيدة للمجتمع. وإذا أضفنا إلى ذلك مشكلات أخرى مثل الانفلات السكاني، تدهور التعليم من حيث النوعية، الفوضى في العلاقات الاقتصادية، الأخذ بالثأر، وتبنّي مفاهيم الأقلية والأغلبية، فإننا ندرك أن هذه المشكلات تساهم في تدمير النسيج الاجتماعي.
وفي ظل هذه الظروف، نكتشف أن الأعمال الدرامية تفتقد إلى بوصلة توجيهية أو هدف واضح يسعى إلى النهوض بالمجتمعات وتمكينها من فهم العالم المعاصر، ما يسهل استغلالها من قبل أطراف معينة. وفي النهاية، تخدم هذه الأعمال مصالح الممولين الذين، في أحسن الأحوال، يفضلون الإبقاء على الوضع كما هو.

المساهمون