شهد العام الأخير حركة مختلفة للدراما العربية والسورية على وجه الخصوص، فبعد سنوات من الركود الذي أصاب الدراما السورية بسبب الحرب الدائرة في البلاد وتأثيرها على قطاع الإنتاج الدرامي، وتأثر الدراما العربية بهذه الفجوة، سلباً حيناً وإيجاباً في أحيان أخرى، عادت حركة الإنتاج في سورية للدوران في الموسم الماضي، وأرجعت هذه العودة بعض الممثلين السوريين والكتّاب والمخرجين إلى قواعدهم بعدما تفرقوا في ظاهرة الدراما المشتركة.
والاختلاف في الحركة الدرامية لهذا العام كان من خصوصياته الابتعاد عن الموسمية، أي موسم رمضان، إذ رأينا العديد من الأعمال السورية والعربية المشتركة قد اتخذت قراراً بالعرض خارج الموسم الدرامي. وربما يكون ذلك نتيجة تأخُّر تصوير العديد من الأعمال بسبب الظروف الطارئة التي فرضتها جائحة "كوفيد-19". غير أنّ المنتجين وصنّاع الدراما قد وجدوا في ذلك تجربة يمكن تطويرها لسحب المتلقي من الموسم الرمضاني ومن التلفزيون تحديداً إلى المنصات الرقمية، والبعد عن التقيد الزمني بالعرض حصرياً في الموسم الرمضاني.
وشمل الاختلاف في حركة الدراما السورية والعربية عموماً، لا سيما المشتركة، سمات عدة في مقدمتها انتشار المسلسلات القصيرة، أي أقلّ من ثلاثين حلقة. فعُرضت الخماسيات والسباعيات ومسلسلات من 12 أو 15 حلقة وغيرها. وبدت تلك الأعمال أكثر تماسكاً في الحبكة والطرح نتيجة ابتعادها عن الشطط الذي كان يقيده قالب الـ 30 حلقة. كما تحررت هذه الأعمال من عباءة العرض التلفزيوني، لتجد فضاءً أوسع في المنصات الإلكترونية، سواء ذات الصبغة العربية أو العالمية. كلّ ذلك جعل منها سهلة الوصول للمتلقي، في ظل انتشار الأجهزة الذكية والإنترنت والتي باتت متوفرة لأيّ فرد من أيّ شريحة كان.
وحرَّض شيوع المسلسلات القصيرة والعرض خارج التلفزيون، صنّاع الدراما على استحضار أفكار غريبة وغربية في آنٍ واحد، لتكون حاضرة في أعمال عدة وتصبغها شكلاً ومضموناً. وساعد في ذلك الابتعاد عن الرقابة التي تعتبر لصيقةً للعرض التلفزيوني، وطرحت الأفكار بحرية أكبر، نتيجة عدم تقيّد الكتاب والمخرجين وصنّاع الدراما عموماً بقالب زمني محدد.
كلّ ذلك بدأ يأخذ الدراما السورية والعربية إلى مؤشر رابع وأخير في حركة التغيير التي تسلكها في الشكل والمضمون. وهذا المؤشّر كان واضحاً هذا العام، ومن المتوقع أن يكون سمة للكثير من الأعمال المقبلة، وهو التركيز على ابتكار أفكار جديدة ومعقّدة لمعالجتها درامياً، لا تعتمد على الحبكة وحسب، وإنّما على قصة خاصة لكلّ دور من خلال معالجتها نفسياً، لتشكل حبكة داخل الحبكة، كتناول شخصيات لمرضى نفسيين وتشريحها بناء على المرض الذي تعيشه الشخصية.
"العربي الجديد" عرضت على الصحافي والكاتب والناقد الفني، نضال قوشحة، هذه الفرضية باتخاذ الدراما العربية والسورية تحديداً، طريقها نحو تغيير شامل وجذري، وبالاعتماد على المؤشرات الأربعة المذكورة سابقاً. يوافق قوشحة على الفرضية، لكنّه يختلف مع تعبير التغيير الشامل فيها، ويعتبر أنّ التغيير في نمط وشكل الدراما لن يكون شاملاً على الأقل في السنوات العشر المقبلة، مشيراً إلى أن الخط الكلاسيكي للدراما الذي يعتمد على 30 حلقة كقالب لحجم العمل وتقييد الكثير من الأعمال في العرض بالموسم الرمضاني ما زال موجوداً، وإن ظهرت أعمال مختلفة عن الشكلين في الأعوام الأخيرة، فإنّ الكلاسيكية في الطرح الدرامي أمام المتلقي ما زالت تتسيد إلى الآن.
يدخل قوشحة في تفاصيل الفرضية ومؤشراتها، إذ يرى أنّ ظهور الأعمال القصيرة أمر سليم جداً، موضحاً أنّ "هناك أفكاراً درامية لبوسها الزمني يكون فترة محددة، كأن تكون القصة لا تستوعب أكثر من 12 حلقة على سبيل المثال، ومن هنا يجب على الإنتاج ألا يفرض على الكاتب أن يمتد بهذا الزمن أكثر من المطلوب. وفي الحالة التقليدية كان يفرض على الكاتب أن يزج بخطوط درامية بغية التطويل، وهذا المطب كان سمة للدراما العربية إجمالاً، الراغبة بإنتاج عمل رمضاني يمتد على 30 حلقة، ولذلك، كان الكاتب يضطر للحيلة والمهارة لكي ينجز ذلك. فالكتّاب المحترفون تمكنوا من تمرير بعض الأعمال بسلام، لكنّ الكتاب قليلي الخبرة أخرجوا أعمالاً ضعيفة نتيجة الشطط والتطويل الواضح، من هبوط حالة التشويق وبطء الإيقاع إلى إحداث خلل في سيرورة تصاعد الذرى الدرامية، الأساسية والفرعي".
كذلك يشيد قوشحة بظاهرة انتقال عرض الأعمال الدرامية إلى المنصات الرقمية، رغم الحذر الذي ينظر إليه نحو بعض تلك المنصات، لكنّه يشير إلى أنّ "ذلك يعتبر حالة تطوُّرية جيدة، من خلال كسر احتكار القنوات التلفزيونية، خصوصاً الحكومية، وتحديداً التي تمتلك الكفاءة المالية، إذ فرض بعضها معايير وشروطا على الكثير من الأعمال في طريق تفكيرها المرتبط بالميزان التجاري، لكنّ توفر المنصات الإلكترونية بات يعتبر متنفساً موازياً لتلك القنوات وليس بديلاً عنها للعرض أمام المتلقي، وكذلك لصنّاع الدراما الراغبين بتقديم شيء مختلف خارج عن عباءة التقييد التي تفرضها المنصات التقليدية".
ومن أبرز المسلسلات التي كسرت القالب التقليدي أخيراً: مسلسل "المنصة" بمواسمه الثلاثة عبر منصة بث المحتوى الترفيهي والأفلام عبر الإنترنت "نتفليكس". المسلسل من بطولة مكسيم خليل وعبد المحسن النمر وسامر إسماعيل، عن مبرمج عبقري ينشئ بوابة عبر الإنترنت تهدف إلى تقصّي الحقائق وكشفها، في حين يواجه متاعب على صعيد العائلة.