عثر فريق أركيولوجي مغربي/فرنسي/إيطالي مشترك قبل أسابيع قليلة، على مجموعة من الآثار المُكوّنة من أدوات منحوتة، وحصى طبيعية، وبقايا حيوانية متحجّرة. وقد اعتبر فريق البحث أنّ هذه الموجودات هي أقدم ما عثر عليه حتى الساعة من بقايا الثقافة الأشولية في شمال أفريقيا وذلك في منطقة موقع "طوما 1" في مدينة الدار البيضاء.
وقد قدّر تاريخ هذه الآثار بحوالي مليون و300 ألف سنة قبل التاريخ. ما يعني أنّها تتّصل تاريخيّاً بالمرحلة الأشولية المُنتمية إلى العصر الحجري القديم.
وبحسب تصريحات "المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث" في الرباط، فإنّ الآثار المُكتشفة هي الأقدم في شمال أفريقيا. إذْ بالرغم من وجود وتوافر بعض الآثار في مناطق أخرى من القارة، إلاّ أنّها تظلّ مُرتبطة بالفترة القديمة من الحضارة الأشولية، من دون تأكيد لخصوصيتها وأطوارها خلال حقبة ما قبل التاريخ. من ثمّ، فإنّ العمليات الأركيولوجية الأخيرة، تُؤكّد وبوضوح أنّ هذا الاكتشاف يبقى فريداً من نوعه، لأنّه يعمل على تأكيد السبق الريادي، الذي بات يتميّز به موقع طوما في عملية البحث الأثري في المغرب، بوصفه من أغنى المَواقع الأركيولوجية ليس في الدار البيضاء فقط، بل في أفريقيا الشمالية ككلّ.
في السابق، كان يُؤرَّخ علمياً للحضارة الأشولية بحوالي مليون سنة، لكنّ التقديرات العلمية اليوم تشير إلى مليون و300 ألف سنة. ويُجمع المؤرّخون والدارسون أنّ فترة ما قبل التاريخ تنتمي إلى ما يُسمّى بالزمن الرابع المعروف بالصناعات الحجرية، والذي من خلاله ينبثق العصر الحجري القديم المُنقسم بدوره إلى ثلاث مراحل: أوّلها العصر الحجري القديم الأدنى أو الأسفل، الذي تنتمي إليه اللقى الأثرية الجديد في موقع طوما. فهو يُعتبر أوّل مرحلة في مسار تطوّر الإنسان وتشكّله اجتماعياً، وما يرتبط بذلك من صيد والعيش داخل جماعات صغيرة هنا وهناك داخل الكهوف. وهو ما جعل إنسان هذا العصر يتميّز بمهارة صناعية قويّة ترتكز على صقل أدوات حجرية لاستخدامها في العيش اليومي، الذي ستتطوّر معالمه إبان العصرين الحجريين القديمين الأوسط والأعلى.
على هذا الأساس، تبرز قيمة هذه الموجودات الأثرية، لأنّها تجعل المغرب يدخل ضمن أبحاث علمية ملموسة حول الوجود الأشولي في القارة الأفريقية، لا سيما أنّ المرحلة الأشولية ذات ثقافة مادية بامتياز ولعبت دوراً كبيراً في تغيير نمط عيش الإنسان. ليصبح المغرب في المرتبة الأولى من حيث تاريخ العثور على أقدم شاهد أثري ينتمي إلى تلك المرحلة المُبكّرة من حياة البشرية.
وتجدر الإشارة، إلى أنّ العمليات الحفرية التي أسفرت عن هذا الاكتشاف تدخل ضمن مشروع "ما قبل التاريخ في الدار البيضاء" الذي ينضوي تحته مجموعة من الباحثين والفرق والمعاهد ومراكز الأبحاث المغربية والاجنبية. فقد ساهم هذا التجمّع العلمي في التنقيب عن تاريخ مدينة الدار البيضاء.
ورغم نجاعة هذا الفريق الأركيولوجي، إلاّ أنّه لم يستطع التأثير في طريقة عمل الجامعة المغربيّة فلم يخلق أيّ نقاش حيويّ حول حفريات المدينة على مستوى تداول الأبحاث والمعارف والاستنتاجات. ما يجعلها حبيسة طاقم الفريق ومجلاّت علمية أركيولوجية غربية تتكفّل بنشر وتوثيق هذه العمليات الحفرية على صفحاتها، كما هو الشأن لمجلة "نيتشر ريبورت" البريطانية، التي نشرت دراسة وافية عن هذا الاكتشاف الأثري مُبرزة مكانة علمية وأثرية أضحى يلعبها هذا الموقع في تشكيل واجتراح صورة جديدة للمغرب في علاقته بتاريخه وتراثه ومستقبله. هذا فضلاً عن الطابع المحوري الذي تُقدّمه هذه العمليات الأثرية على مستوى تغيير المعرفة التاريخيّة ذات الاتّصال بوجودنا العربي والأفريقي ككلّ.