فرضت الأوضاع الوبائية والسياسية والاقتصادية نفسها على الحملات الانتخابية للأحزاب الروسية في انتخابات مجلس الدوما (البرلمان)، التي انطلقت اليوم وتنتهي الأحد المقبل. وفي ظل غياب التجمعات الانتخابية الكبرى والفعاليات الموسيقية والفنية التي غالباً ما رافقت "الأعراس الانتخابية" في روسيا في السنوات الأخيرة، وجدت الأحزاب والمرشحون في الدوائر الفردية ضالتهم في العالم الافتراضي.
وفي حين اتسمت بعض مقاطع الفيديو الدعائية بإبداعات جديدة، جاءت معظم المقاطع مكررة من انتخابات سابقة، ومملة. وكان لافتاً تسرب مقاطع فيديو بتقنيات جديدة تحضّ على المشاركة الكثيفة في الانتخابات، من دون أن يتبناها أي طرف. كما شهدت الحملة، التي اختتمت أمس، نشاطاً واضحاً للمعارضة الليبرالية، تمثل في عرض عشرات التحقيقات المصورة عن فساد الطبقة الحاكمة والمرشحين عن حزب "روسيا الموحدة" الحاكم، وحظيت بمشاهدات أكثر بعشرات المرات من دعايات الأحزاب، ودعت كل التحقيقات في نهايتها إلى التسجيل في تطبيق "التصويت الذكي" لاختيار المرشحين الأوفر حظاً في منافسة مرشحي السلطة.
ويبدو أن شركتي "غوغل" و"آبل" رضختا أخيراً للكرملين، إذ حذفتا التطبيق من متجريهما.
وعلى عكس المرات الماضية، لا تذكر اللوحات في شوارع موسكو بوجود حملة انتخابية ساخنة، إذ إن عددها محدود جداً.
في المقابل، شاركت الأحزاب بكثافة في المناظرات الانتخابية المجانية في القنوات المسموح بها. كما نشرت مقاطع فيديو بدا أن الهدف منها، بالنسبة للأحزاب الكبرى، التذكير بوجودها فقط، وترسيخ صورتها، من دون أن نشهد محاولة حقيقية لإقناع الناخبين ببرامج محددة. في حين قدمت بعض الأحزاب الصغرى مقاطع أكثر إبداعاً من حيث المحتوى والشكل، لجذب الناخبين.
وإضافة إلى إطلالات كبار مرشحي "روسيا الموحدة" على القنوات الفيدرالية صباحاً ومساء، وتصدرهم عناوين الأنباء، لافتتاح مدارس ومنشآت ترفيهية ورياضية وثقافية جديدة، بث الحزب مجموعة من الفيديوهات القصيرة تحت عنوان "روسيا الموحدة هو..". أشاروا فيها إلى المساعدات الاجتماعية والمنح المالية الأخيرة للمتقاعدين والعسكريين، والمبادرات لتحسين مستوى الحياة وفرص العمل، وغيرها.
وبداية الشهر الحالي، نشر الحزب فيديوهات للخمسة الأوائل في القائمة الحزبية، تحدث فيها وزير الدفاع سيرغي شويغو عن "الجيش الروسي القوي المستعد لمواجهة الأعداء"، ملوحاً برد "ساحق" في حال تجرأ العدو على مجرد الاقتراب من روسيا. وأكد أن بلاده أجبرت الآخرين على احترامها بعد سنوات التسعينيات الصعبة، مشيراً إلى أن الفضل يعود إلى بناء جيش وأسطول قويين.
أما وزير الخارجية سيرغي لافروف، فأشار إلى أنه اقتنع في جولاته بإجماع المواطنين على قوة وعظمة روسيا.
وشدد المرشح الثالث في القائمة دينيس بروتسينكوف، وهو كبير الأطباء في المستشفى رقم 40 لعلاج المصابين بفيروس كورونا، في بلدة كوموناركا، في ضواحي موسكو، على ضرورة إنشاء "درع صحي" لمواجهة الأوقات الصعبة، مثل انتشار أوبئة جديدة.
ودافعت مفوضة حقوق الطفل لدى الرئيس فلاديمير بوتين آنا كوزنيتسوفا، في مقاطع فيديو، عن القيم العائلية التقليدية، وشددت على رفض أي قيم غربية بشأن زواج المثليين وغيرها. وتعهدت مديرة صندوق "الموهبة والنجاح" الذي يطور مركز "سيريوس" التعليمي للأطفال المتفوقين في سوتشي يلينا شميليوفا ببناء نظام تعليمي مميز في أنحاء البلاد كافة.
وإضافة إلى مقاطع الفيديو الرسمية، ظهرت مقاطع لدعم "روسيا الموحدة" انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي. وقال الحزب إنه غير مسؤول عنها، على الرغم من دعمها سياساته. ولاقت هذه المقاطع إقبالاً كبيراً، ونفذت بتقنيات "التزييف العميق" deep fake، وهي إحدى تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتستخدم لإنتاج فيديوهات أو تعديل محتواها، لتستعرض شيئاً لم يكن موجوداً في الفيديو الأصلي.
وفي غياب أي إبداعات جديدة، عرض الحزب الشيوعي الروسي مقاطع فيديو تذكر بالحقبة السوفييتية، وفيها يطرح شعاراته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ويؤكد أنه يدعم عودة شكل الدولة السوفييتية وقوانينها، ويحارب البرجوازية. واعتمد الحزب في الفيديوهات هذه شعار "من أجل وطن قوي وعادل واشتراكي (اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية)". وفي أحد مقاطع الفيديو، تحدث الشيوعيون عن "الدولة التي نريد أن نعيش فيها بتأميم الموارد، وخطة الدولة الشاملة، والتصنيع الجديد، والطب المجاني..."، على خلفية مصانع وحقول.
ولم تخرج دعايات الحزبين الآخرين الممثلين في تشكيلة البرلمان المنتهية ولايته عن الرتابة والشكل التقليدي. وركز "الحزب الليبرالي الديمقراطي" على شخصية زعيمه فلاديمير جيرينوفسكي في مقاطع الفيديو، وفيها طرح قضايا اجتماعية حادة، مثل شطب ديون خدمات السكن عن المواطنين وزيادة دعم الفقراء والمتقاعدين، وطالب بتأميم الشركات التي تزيد الأسعار، وتحدث عن تحسين نظم التعليم. وفي كل فيديو، يظهر جيرينوفسكي وهو يدعو للتصويت لحزبه. ولم تخل جولات جيرينوفسكي ونشاطاته الانتخابية من بعض الفضائح، وانتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مثيرة للجدل.
وفي حين كانت حملة "روسيا العادلة ــ من أجل الحقيقة" تقليدية للغاية، فإن حزب "النمو" الذي ينافس ضمن قائمة الأحزاب التي يمكن أن تتجاوز حاجز الخمسة في المائة، اللازم للدخول في تشكيلة البرلمان الجديد، عرض مقاطع فيديو مميزة.
وظهرت في أحد المقاطع ثلاث سيدات يتصدرن قائمة الحزب في شكل لطيف ومبتكر، وقارنت المرشحات انتخابات البرلمان بصناعة العجائب، واتهمن بعض النواب بأنهم مهرجون. ومع إشارة الفيديو إلى أن الأوضاع تعود إلى الوراء، ووصلت إلى حد القمع الستاليني، يظهر شعار الحزب: "علينا أن نفعل شيئاً في مواجهة ذلك... باشروا العمل". وحصلت الفيدوهات على مشاهدات تزيد بمئات المرات عن مشاهدات مقاطع الأحزاب الأخرى.
وعلى عكس المتابعات القليلة لمقاطع الفيديو الرسمية للأحزاب، حظيت بعض الفيديوهات التي نشرها ناشطون للسخرية من زيف وكثرة الوعود الانتخابية لمرشحي الأحزاب بمشاهدات كبيرة، وانتشرت مقاطع فيديو تمزج بين وعود المرشحين وضحكة الكوميدي المكسيسكي الراحل خوان جويا بورخا الشهير بـ"إل ريسيتاس".
وانتهزت "فصائل بوتين"، وهي مجموعة من النساء الطاعنات في السن، الناشطات على " يوتيوب" ويؤيدن بقوة الرئيس فلاديمير بوتين، فرصة الانتخابات للدفاع عن الديمقراطية الروسية في وجه محاولات الغرب لتشويه صورة الانتخابات والانتقاص من شرعيتها.
المعارضة الليبرالية وأنصار المعارض المسجون أليكسي نافالني حضروا بقوة في الدعاية الانتخابية، رغم استبعادهم عن المشاركة. وحظيت مقاطع الفيديو عن فساد المرشحين من حزب "روسيا الموحدة" والطبقة الحاكمة بمشاهدات مليونية على "يوتيوب". كما أن فيديو إعلان الشخصيات الأكثر قدرة على منافسة مرشحي حزب السلطة حظي بمتابعة نحو مليوني مشاهد في أقل من يوم.