كشفت دراسة جديدة أن الحرمان من النوم يفعل أكثر من مجرد جعلنا متعبين، إذ يمكن أن يقوض أداءنا العاطفي، ويقلل من الحالة المزاجية الإيجابية، ويعرضنا أكثر إلى القلق، وفقاً للبحث الذي نشر في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في مجلة جمعية علم النفس الأميركية.
جمع المؤلفون في الدراسة أكثر من 50 عاماً من الأبحاث حول الحرمان من النوم والحالة المزاجية. وتوفر الدراسة دليلاً قوياً على أن فترات اليقظة الطويلة، وقصر مدة النوم، والاستيقاظ ليلاً، كلها عوامل تؤثر سلبا على الأداء العاطفي البشري.
في هذا السياق، قالت المؤلفة الرئيسية للدراسة، وأستاذة علم النفس المساعدة في جامعة ولاية مونتانا الأميركية، كارا بالمر، إن العواطف تحكم تقريباً كل جانب من جوانب حياتنا اليومية، ويبدو أن حرمان أنفسنا من النوم "هو وسيلة أكيدة لانتخاب حاكم سيئ"؛ إذ تؤكد النتائج التي توصلت إليها وزملاؤها أنه حتى عندما يكون النوم ناقصاً بشكل طفيف فقط، فهناك تغييرات سلبية قابلة للقياس في كيفية تفاعلنا مع الأحداث اليومية.
وأضافت بالمر في تصريح لـ"العربي الجديد": "في مجتمعنا المحروم إلى حد كبير من النوم، يعد قياس تأثيرات قلة النوم على العاطفة أمراً بالغ الأهمية لتعزيز الصحة النفسية. وتمثل هذه الدراسة التوليف الأكثر شمولاً لأبحاث النوم والعاطفة التجريبية حتى الآن، كما توفر دليلاً قوياً على أن فترات اليقظة الممتدة، وقصر مدة النوم، والاستيقاظ ليلاً تؤثر سلباً على الأداء العاطفي البشري".
حلّل الفريق بيانات من 154 دراسة امتدت لخمسة عقود، مع إجمالي 5715 مشاركاً. وفي جميع هذه الدراسات، عطّل الباحثون نوم المشاركين لمدة ليلة واحدة أو أكثر. في بعض التجارب، بقي المشاركون مستيقظين لفترة طويلة. وفي حالات أخرى، سمح لهم بفترة نوم أقصر من المعتاد، وفي حالات أخرى تم إيقاظهم بشكل دوري طوال الليل.
بعد التلاعب بالنوم قاست كل دراسة متغيراً واحداً على الأقل، متعلقاً بالعاطفة بعد التلاعب بالنوم، مثل الحالة المزاجية التي أبلغ عنها المشاركون ذاتياً، واستجابتهم للمحفزات العاطفية، ومقاييس أعراض الاكتئاب والقلق.
بشكل عام، وجد الباحثون أن الأنواع الثلاثة من حالات فقدان النوم أدت إلى عدد أقل من المشاعر الإيجابية، مثل الفرح والسعادة والرضا بين المشاركين، بالإضافة إلى زيادة أعراض القلق، مثل سرعة ضربات القلب وزيادة التوتر. وقالت بالمر: "حدث هذا حتى بعد فترات قصيرة من فقدان النوم، مثل البقاء مستيقظاً لمدة ساعة أو ساعتين متأخراً عن المعتاد، أو بعد فقدان بضع ساعات فقط من النوم. لقد وجدنا أيضاً أن قلة النوم تزيد من أعراض القلق وتضعف الاستثارة استجابة للمحفزات العاطفية".
كما كانت النتائج المتعلقة بأعراض الاكتئاب أصغر وأقل اتساقاً. وكانت أيضاً أكثر تبايناً في ما يتعلق بالمشاعر السلبية، مثل الحزن والقلق والتوتر.
وأشارت الباحثة إلى أن التجارب أثبتت أن أكثر من 30% من البالغين وما يصل إلى 90% من المراهقين لا يحصلون على قسط كاف من النوم.
وقالت إن آثار هذا البحث على الصحة النفسية على المستويين الفردي والعام كبيرة خاصة في المجتمعات المحرومة من النوم بشكل كاف، بسبب نمط الحياة والضغوط الاقتصادية.
لذلك، ترى بالمر أنه ينبغي على المؤسسات المتخصصة في الصناعات والقطاعات المعرض أفرادها للحرمان من النوم، مثل العاملين في مجالات النجدة والإطفاء والإسعاف والطيارين وسائقي الشاحنات، أن تضع وتتبنى سياسات تعطي الأولوية للنوم للتخفيف من المخاطر التي تهدد العمل في فترات النهار.
يلفت المؤلفون إلى أن الاتجاهات المستقبلية للبحث ستشمل دراسة آثار الحرمان من النوم لعدة ليال، والنظر في الفروق الفردية لمعرفة السبب الذي يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة من غيرهم لآثار فقدان النوم، ودراسة آثار فقدان النوم عبر الثقافات المختلفة.