"الحب والصمت" وذلك الفيلم [2/3]

18 يوليو 2023
صدر الفيلم عام 1973 (يوتيوب)
+ الخط -

أُنتج فيلم "الحب والصمت" عام 1973، أي بعد ستة أعوام على صدور الرواية، وهو من إخراج عبد الرحمن شريف، وبطولة نيللي ونور الشريف وأحمد عبد الحليم. ولا تقدّم الموسوعات السينمائية ولا محركات البحث الكثير من المعلومات عن المخرج، سوى أنه عمل مساعداً لعدة مخرجين، قبل أن يقدّم نحو ثلاثة عشر فيلماً، أغلبها ترفيهي/ تجاري.

يعتبر عبد الرحمن الشريف مغموراً في كل المقاييس، وينطبق الأمر على كاتب السيناريو مسعود أحمد؛ فالأخير شبه مجهول، ولا يوجد في سجله سوى فيلم آخر كتب قصته، يحمل عنوان "أحلى من الشرف مفيش"، من إنتاج عام 1993.

في كتاب "في أثر عنايات الزيات" لإيمان مرسال، تصف عظيمة الزيات، شقيقة كاتبة الرواية، الفيلم المأخوذ عن روايتها بالقول إنه سيئ للغاية، بينما تصفه مرسال بالسخيف وليس فيه من الرواية إلا عنوانها. وتقول إنها لا تتذكر منه سوى مشهد نيللي وهي تفتعل البكاء على موت شقيقها، بينما تضع رموشاً صناعية تزن رُبع كيلوغرام.

يبدأ الفيلم بمشهد يوحي بالسعادة والانطلاق، على خلاف الرواية التي تبدأ بسرد تأثير موت الشقيق على بطلة الرواية وكآباتها. وعلى خلاف الرواية التي تقدّم لنا بطلتها في الثامنة عشرة من عمرها، تبدو بطلة الفيلم في منتصف العشرينيات. مقبلة على الحياة. لا تعاني من أي مشكلات نفسية أو اجتماعية، إلى أن تُصدم بموت شقيقها خلال ممارسته للعبة القفز بالزانة (في الرواية يموت خلال ممارسة لعبه المتوازييْن)، لكنها تتجاوز هذا الحزن بسرعة من خلال حبها لكاتب ثوري، إلا أن السعادة لا تدوم؛ فالكاتب يصاب بمرض عضال يقتضي سفره إلى الخارج للعلاج، وهو ما يحدث بعد أن يوصيها بالزواج من أحد أصدقائها الذي لا وجود له في الرواية أصلاً.

يبدو كأن الفيلم ينتقم من الرواية، إذ يفرّغ السرد من شحنته المتأملة والمكتئبة والبطيئة، ويتغافل عن مركزية الكآبة في تكوين شخصية البطلة والتأثير في وعلى سلوكها، كما يغفل أن الرواية هي قائمة على المشاعر وليس الأحداث، وعلى فكرة الانسحاب من الحياة، وليس الإقبال عليها.

موقف
التحديثات الحية

لا يُعنى المخرج بكل ذلك، بل ينتج حكاية أخرى في فيلمه عن شباب مقبل على الحياة، ساخر من طبقته وهو يتمتع بمزاياها كاملة. وعلى صعيد بناء الحدث والشخصيات، يبدو مبتدئاً أو غير معني سوى بكادر التصوير. وحتى في هذه، فإنه يرتكب أخطاء لا يرتكبها طالب في معهد للسينما. وفي مشهد فاضح وكاشف، يكرّر المخرج تصوير لوحة للبطلة على الجدار، لكن باتجاهين متعاكسين، وهو ما لا يمكن أن يحدث سينمائياً بتغيير زاوية التصوير، ولا يمكن تفهمه إخراجياً إلا إذا كان جزءاً من مشهد متخيّل كالحلم، أو في حالة التشوش البصري لبطل جراء مرض أو صدمة نفسية، أو حتى ضربة على الرأس. وهذا خطأ يدل على الجهل بدور كادر التصوير في إنتاج أو التساوق مع الدلالات التي يرغب المخرج بإيصالها. فعندما تكون زاوية التصوير من الأسفل، نكون أمام شخصية تعاني من تضخم الأنا، والحال هذه تُنتج الدلالة التي تسوّغ لاحقاً سادية البطل أو نرجسيته العالية.

يُنهي المخرج فيلمه بسفر الكاتب المعارض للعلاج، ودعوته بطلة الفيلم وصديقها إلى الإقبال على الحياة وطلب الحب والسعادة، على خلاف بل بالتضاد مع الثيمة الكبرى في الرواية (الموت)، فالكاتب الثوري يموت في الرواية، وتبدأ البطلة بالسعي إلى حياة جديدة، مروراً بثورة الضباط الأحرار.

وحتى هذه النهاية، التي قد تكون متفائلة، فإن كتاب إيمان مرسال لا يستبعد أن تكون قد أُضيفت بعد موت كاتبتها، بمعنى أن الرواية تنتهي بالموت وحسب. وهذا ينسجم مع كل جزء يتطور فيها عمودياً على صعيد المشاعر وأفقياً بالقليل من الأحداث. وإذا كان يمكن التساهل مع هذا الأمر في الرواية، فإنه لا يمكن التساهل إزاءه أبداً في الفيلم الذي قدّم "حكاية" مختلفة جذرياً عن الرواية، وليته قدمها متماسكة، بل مفككة وساذجة لم تنجح حتى في إنتاج المتعة.

المساهمون