يرى مواطنون وصحافيون تونسيون أن التلفزيون الرسمي فقد هويته منذ أكثر من سنة، بعدما انحاز إلى السلطة، لكنه لا يزال من القنوات الأكثر متابعة في البلاد، إذ بيّن استطلاع لشركة سيغما كونساي، في يوليو/تموز الماضي، أنه يحل في المرتبة الثانية بعد قناة حنبعل تي في الخاصة، بعدد مشاهدين قُدّر بـ1.9 مليون.
ولعل أكثر ما يلام عليه التلفزيون التونسي الرسمي فقدانه هويته التحريرية، وانحيازه للرئيس قيس سعيّد واختياراته، وهو ما أكده نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي في تصريح لـ"العربي الجديد". وقال الجلاصي إن "التلفزيون التونسي فقد هويته التحريرية باعتباره مرفقاً عمومياً موجهاً إلى التونسيين كلّهم ولا ينحاز إلى طرف دون آخر". هذا الانحراف وصفته النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين بـ"الخطير"، واتهمت التلفزيون الرسمي بـ"الانخراط في التضليل والدعاية الفجة للسلطة، وخاصة تعمد مغالطة الرأي العام الوطني بخصوص قضايا حارقة، مثل الغلاء المشط للأسعار وفقدان المواد الغذائية والأساسية".
كما اعتُبر الدمج بين الإدارة والتحرير من المشاكل الهيكلية في التلفزيون، حيث تواصل المديرة العامة تقديم برنامج صحي، كما تتولى مديرة القناة الثانية رئاسة تحرير البرنامج السياسي الوحيد في التلفزيون، وهو ما رآه الكثير من المتابعين للشأن الإعلامي التونسي تدخلاً غير مقبول من الإدارة في التحرير، لتمرير أجندات سياسية خدمة للنظام التونسي، رغم أن التلفزيون، باعتباره ممولاً من دافعي الضرائب، موجّه إلى كل التونسيين من دون إقصاء أي أحد بسبب مشارب فكرية أو سياسية.
وأشار الجلاصي إلى أن "التلفزيون، ومنذ قرارات قيس سعيّد الاستثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021 واستئثاره بكل السلطات، وتعيين المديرة العامة الحالية للتلفزيون عواطف الدالي يومين بعد إعلان القرارات الاستثنائية، ضرب مبدأ الحيادية والاستقلالية، فبات لا يستضيف المعارضين للقرارات هذه في البرامج السياسية".
من جهة ثانية، قال نائب رئيس الجامعة العامة للإعلام، المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل، محمد الهادي الطرشوني: "نحن ندرك الظرفية الاستثنائية التي يمر بها التلفزيون التونسي، خاصة أن المرحلة السابقة كانت سياسية بامتياز، وقد شابتها اختلالات عدة نرجو تداركها في الشبكة البرامجية التي ستنطلق قريباً حتى يصبح التلفزيون التونسي تلفزيون كل التونسيين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية". وأضاف الطرشوني متحدثاً لـ"العربي الجديد": "نحن نسعى إلى حلحلة المشاكل الاجتماعية في التلفزيون، ونرجو أن تتجاوب الإدارة معنا، حتى ننقذ هذا الصرح الإعلامي الكبير من حالة التراجع التي يعرفها. وندعو الحكومة إلى دعم العاملين فيه، من خلال توفير موارد مالية تمكنهم من القيام بعملهم، فمن غير المعقول أن التلفزيون التونسي لا يمكنه نقل التظاهرات الرياضية، وخاصة كرة القدم، بسبب العوائق المادية".
الوضع العام في التلفزيون متوتر، بسبب انحياز المشرفين عليه إلى السلطة القائمة والعمل على تمرير أجنداتها وتبرير أفعالها، وهو ما ترفضه النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين التي دعت العاملين فيه إلى "الدفاع عن مؤسستهم، باعتبارها أمانة الشعب التونسي التي استرجعها وحررها بعد ثورة 14 يناير/كانون الثاني 2011، بتضحيات ودماء الشهداء، وتذكرهم بدفاعهم عن استقلاليتهم طيلة سنوات ضد محاولات السيطرة عليها من قَبْل، سواء من جهات رسمية أو حزبية".
في المقابل، قال مصدر من التلفزيون التونسي رفض كشف اسمه، لـ"العربي الجديد"، إن "التلفزيون التونسي يعمل وفقاً لضوابط مهنية محددة تراعي مبدأي الحياد والاستقلالية، احتراماً لصفته مرفقا عموميا، وهو يقف على المسافة نفسها بين الفاعلين السياسيين كلهم". وأضاف أن "بعض الهجمات على التلفزيون تعود إلى اقتراب موعد إعلان الشبكة الجديدة، والبعض يريد ممارسة الضغط على إدارة التلفزيون، من أجل الفوز ببرامج في هذه الشبكة، وهو أمر تدركه الإدارة ولن تخضع له".
يُذكر أن التلفزيون التونسي أكبر مؤسسة إعلامية في البلاد، حيث يشغّل أكثر من 1200 فرد، وعُرف منذ تأسيسه سنة 1966 بتبعيته للنظام القائم، ولم يتمكن من التحرر من هذه التبعية إلا بعد ثورة عام 2011، لكنه عرف تراجعاً كبيراً في استقلاليته بعد قرارات الرئيس التونسي الاستثنائية. وعلى الرغم من مهاجمة سعيّد الصحافة أكثر من مرة، فإنه مدح التلفزيون التونسي، في فبراير/شباط، واصفاً إياه بـ"التلفزيون الوطني".