التزود بالأوكسجين... دراسة تقترح الاستغناء عن أجهزة التنفس

09 يونيو 2021
يخطط الباحثون لتوسيع دراستهم من أجل تسريع عملية تطبيقها سريرياً على البشر (Getty)
+ الخط -

طوّر العديدُ من الكائنات المائية، آليات فريدة للتنفس بهدف البقاءِ على قيد الحياة، في ظلِّ ظروف انخفاض الأوكسجين، باستخدام أعضاء أخرى غير الرئتين أو الخياشيم. مثل سمك الـ"لوتش" (Hillstream loach) الذي يحول الجزء السفلي من أمعائه إلى أجهزة تنفسٍ إضافيةٍ لإمداد الجسم بالأوكسجين عند اللزوم، لتُلهم هذه الكائنات علماءً من جامعة "طوكيو للطب وطب الأسنان" في اختبار هذه الميزة لدى الثدييات، ومن بينها البشر.
وقد كشفت دراستهم، التي نُشرت على موقع "ميد" العلمي، عن إمكانية إمداد الثدييات بالأوكسجين من خلال أمعائها. يقول، تاكانوري تاكيبي، أحد المشاركين في الدراسة: "يلعب الدعم التنفسي الاصطناعي دوراً حيوياً في التعامل مع فشل الجهاز التنفسي بسبب الأمراض الشديدة، مثل الالتهاب الرئوي، أو متلازمة الضائقة التنفسية الحادة".
افترض العلماء أنّه إذا كان من الممكن إمداد الجسم بالأدوية من خلال القناة الشرجية بسهولة وامتصاصها بسرعة، فإنّه قد يكون من الممكن أيضاً إمداده بالهواء بالطريقة نفسها. ومن أجل إثبات فرضيتهم، صمّموا نظام تهويةٍ غازيا معويا لحقن المستقيم بالأوكسجين النقي، وإخضاع مجموعة تتكون من 11 فأراً للتجربة، إذ خفّفوا البِطانة الداخلية لأربعة فئران، ومن ثم تمّ حقنها شرجياً بالأوكسجين المضغوط، إلى جانب أربعة فئران أخرى لم تُخفَّف بطانة أمعائها الداخلية.
بعد ذلك، قطع العلماء الأوكسجين عن الحيوانات، لتظهر بعدها النتائج على النحو الآتي: لم تتمكن الفئران غير المحقونة بالأوكسجين من البقاء لأكثر من 11 دقيقة، أما الفئران التي حُقنت من دون تخفيف البطانة الداخلية لأمعائها، فتمكنت من البقاء لمدة 18 دقيقة. وبالنسبة للفئران التي تم تخفيف بطانة أمعائها، فقد تمكنت من البقاء حية، خلال التجربة، لمدة 50 دقيقة، بمعدل نجاةٍ 75 في المائة.
وعلى الرغم من فاعلية التجربة، خصوصاً مع المجموعة التي خففت بطانة أمعائها، فمن غير المرجح أن تكون مجدية سريرياً، نظراً إلى ما تتطلبه التهوية المعوية من تخفيفٍ لبطانة الأمعاء، وهي عملية مرهقة وخطيرة. ومن أجل التخلص من عملية تنظيف الأمعاء هذه، استبدل العلماء الأوكسجين المضغوط بسوائل تعرف باسم مركبات الكربون المشبعة بالفلور، والتي يمكن أن تحمل كمياتٍ كبيرةً من الأوكسجين، وغالباً ما تُستخدم كبديلٍ للدم أثناء الجراحة، ثم أعطوا السائل لثلاثة فئران في ظروف منعدمة التهوية، فعاد الأوكسجين في أجسادهم إلى مستوياته الطبيعية.

وللتأكد من الإمكانات العلاجية، أخضع العلماء مجموعة من الخنازير للتجربة نفسها، وفي الظروف نفسها، فازداد تشبع الدم بالأوكسجين بنسبة 15% في أجسامها، كما تلاشت الأعراض الجانبية الناجمة عن نقصِ الأوكسجين لديها في غضون دقائق، ولم تلاحَظ أيّ أعراض جانبية ناتجة عن حقن السائل. ومن أجل تقييم أعلى لمعايير السلامة، حلل العلماء العملية لتحديد أيّ امتصاصٍ مُحتمل للمواد الكيميائيةِ أثناء التجربة، وأظهرت القياسات التحليلية أنَّ ما جرى امتصاصه من السائل أقلّ من الحدّ الأدنى الذي قدّروه، كما كشفت الفحوص البدنية لعيناتِ الاختبار عن غياب أعراضٍ جانبية ملحوظة مثل الجفاف والإسهال، ما يُظهر فاعلية التهوية المعوية في توفير الأوكسجين وعلاج المشاكل التنفسية عند نوعين من الثدييات (الفئران والخنازير).
أثبتت التجربة فاعليتها في تغذية الجسم بالأوكسجين اللازم من خلال الأمعاء ومن دون تدخلٍ للجهاز التنفسي، إذ جرى توصيل الأوكسجين اللازم للجسم من خلال المستقيم وبطانة الأمعاء إلى الأوعية الدموية مباشرة.
يقول العلماء إنّ نتائج التجربة تشجع على إجراء التجارب السريرية، إذ إنّ السوائل الكربونية المشبعة بالفلور، التي تم استخدامها، تتَّسم بأمانها وقبولها لدى المرضى، كما أنَّ أعراضها الجانبية بسيطة على حد وصفهم، بالإضافة إلى عدم ظهور أعراضِ سُمِّية أثناء التجربة. ويعقب تاكيبي: "على الرغم من الحاجة إلى تقييم الآثار الجانبية والسلامة بدقةٍ لدى البشر، ربما يقدم نهجنا نموذجاً جديداً لدعم المرضى المصابين بأمراض خطيرة، والذين يعانون من فشل تنفسي".
وبدعم من الوكالة اليابانية لمكافحة جائحة كورونا، يخطط الباحثون لتوسيع دراستهم من أجل تسريع عملية تطبيقها سريرياً على البشر. ونظراً إلى سلامة المواد المستخدمة في التجربة، من المحتمل أن توفر وسائل فعالة للحصول على الأوكسجين لأولئك الذين يعانون من مشاكل في التنفس ونوبات الربو القصبي والفشل الرئوي الحاد.
كما تُعدّ بديلاً لأجهزة التنفس، إذ يمكن لأجهزة التنفس الصناعي - وهي آلات تدفع الهواء إلى الرئتين- أن تنقذ حياة المرضى الذين لا يستطيعون التنفس من تلقاءِ أنفسهم بسبب الإصابة أو المرض.

لكنّ هذه التقنية يمكن أن تسبب أيضاً تلفاً في الرئة نتيجة الضغط القوي الذي تُحدثه عند دفع الهواء إلى الداخل.

المساهمون