البوزلّوف والدوّارة: أكلتان تقليديتان ترتبطان بعيد الأضحى في الجزائر

11 يوليو 2022
تختلف عادات العيد في الجزائر بين المناطق المختلفة (فاروق بطيش/فرانس برس)
+ الخط -

تحتفي العائلات الجزائرية بعيد الأضحى، إذ تجتمع خلاله الأسر وتزداد أواصر العلاقات وصلة الرّحم، يطلق عليه "العيد الكبير" لارتباطه بالذّبيحة التي تقوّي بدورها الترابط الاجتماعي.

في الوقت نفسه، تختلف العادات من منطقة إلى أخرى في الجزائر خلال هذه المناسبة الدينية، وكذلك طرق الاحتفال والمأكولات المرافقة لها.

من عادات بعض الأسر الجزائرية، عقب ذبح الأضحية وسلخها وتنظيفها، أن تعكف على تحضير طبق "الملفوف"، عن طريق تقطيع الكبد إلى أجزاء صغيرة ثم تقطيع القلب، قبل أن تُطهى على الفحم أو تُقلى في الزّيت، لتقدّم كغذاء عيد الأضحى مع مختلف أنواع المقبلات، كالسلطة الخضراء وسلطة الفلفل الأخضر الحارّ، إضافة إلى البطاطا المقلية.

من جهتها، تتفنّن ربات البيوت في الجزائر في طهي عدّة أطباق مكوّنة من أجزاء مختلفة من الأضحية، إذ يعتبر البوزلّوف، أو الزليف أو مرق رأس الذّبيحة، وهي مسمّيات تختلف من منطقة إلى أخرى، ولكن أساسها واحد هو رأس الخروف، إذ تعتبر من أهم الأكلات شُهرة في الجزائر، خاصة في اليوم الأول من عيد الأضحى، إذ تُعدّ لتكون وجبة العشاء تجتمع عليها العائلة في المساء.

تحضّر سعيدة معافة من منطقة عين اسمارة، شرقيّ الجزائر، هذا الطبق مباشرةً بعد ذبح وسلخ وتنظيف الأضحية. تقول، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّها تعتبره فرحتها التي اعتادت عليها برفقة بناتها الثلاث، إذ يُشوى رأس الذبيحة على النار بغاية تنظيفه من بقايا الصّوف العالقة به، فضلاً عن نزع ما تعذّر وصول النار إليه عن طريق سكِّين حاد مع إزالة القرنين.

وأشارت معافة إلى أنّ هذه العملية يطلق عليها "تشواط الرأس"، وهي تجرى إمّا عن طريق النّار العادية أو على الفحم ليكون مذاقه أطيب.

قضايا وناس
التحديثات الحية

بعد ذلك، يُنظّف الرأس من الشوائب المتبقية بماء ساخن ويغسل جيداً، ويُقطّع مرّة أخرى حتّى يكون جاهزاً للطهي بإضافة مجموعة من التوابل التي تعطيه نكهة خاصة، كالكمون والفلفل الأسود والنعناع اليابس والملح والثوم، وتوضع هذه المكونات جميعها في قدر واسعة لتتمكن النار من الوصول إلى مختلف أجزاء الرأس، وتترك القدر على النار وقتاً طويلاً نسبياً حتّى ينضج اللحم.

أمّا لامية بوعبد الله (35 عاماً) فتقول لـ"العربي الجديد" إنّ البوزلّوف، أو الزليف كما يحلو للبعض تسميته، يعتبر من أشهى الأطباق التي ينتظرها أفراد العائلة في العيد، وهي عادة تحافظ عليها الأسرة وتكون سعيدة بتحضيرها كوجبة فرحة العيد.

بدورها، تشير زميلتها سامية حمادي إلى أنّ هذا الطبق يتربّع على عرش المائدة الجزائرية في عيد الأضحى، ولا يزال محافظاً على المرتبة الأولى كالطبق الأكثر استهلاكاً في هذه المناسبة.

كما تختلف طريقة إعداد هذا الطبق من مكان إلى آخر في الجزائر نفسها، إذ هناك من يتفنّن في طهي رأس الأضحية بالتوابل والطماطم والحمص لصناعة مرقة طيّبة المذاق وتقديمه في حلّة بهية وشهية.

أثناء تقديمه لأفراد العائلة، يحظى البوزلّوف بأهمية كبيرة، إذ يقدّم مع قطع من الفلفل الحار الأخضر وقطع الليمون والقليل من عشبة البقدونس الأخضر.

على خلاف ذلك، تحتفي بعض الأسر في منطقة بوسعادة، في ولاية المسيلة جنوبيّ الجزائر، بطهي طبق البوزلّوف بطريقة مختلفة. تقول نسيمة زياني لـ"العربي الجديد" إنّ لذّة عيد الأضحى تكمن في طبق الزليف المفوّر، والذي يقوم على تنظيف الرأس وتقطيعه، وخلطه بمختلف التّوابل وخاصة الفلفل الحار، ووضعه في إناء مثقوب مصنوع من الألمنيوم، يوضع بدوره على قدر فيه ماء حتى يغلي على نار هادئة، ويترك رأس الذبيحة حتّى ينضج على البخار، أو "الفوّار"، إذ يعطيه ذلك نكهة خاصة، وكثيراً ما يعدّ هذا الطبق للاحتفاء بقدوم الضيوف إلى المنطقة المعروفة بأكلها اللذيذ والحار المذاق.

أما عن طريقة تقديم هذا الطبق، فتقول زياني إنّه يفضل أن ترافقه قطع من البطاطا المقلية في الزيت أو الفلفل الأخضر الحار المشوي على النّار مع الطماطم المشوية أيضاً.

في مناطق جزائرية أخرى، يترك جزءٌ من رأس الذبيحة للضيوف، ويقدّم لهم في ثاني أيّام العيد، لكن للتذوق وليس كطبقٍ رئيسي.

في منطقة ميلة شرقي الجزائر، يقدّم طبق البوزلّوف مع أجزاء من أمعاء الذّبيحة، إذ يجهّز بالمرق وبالحمص مع طهي طبق الكسكسي، أيّ أنّ الأمعاء ورأس الخروف تعوّض بذلك عن اللحم في تزيين هذا الطبق التقليدي المشهور، والذي يسمى كسكسي بوزلّوف.

كما يحظى طبق العصبان، أو العصبانة أو الكرشة، بشعبيّةٍ كبيرةٍ في مختلف مناطق الجزائر أيّام العيد، إذ يرتبط بأحشاء الأضحية، التي تأخذ وقتاً لناحية مدّة التّنظيف عقب الذّبح، ومن ثمّ التقطيع والطهي في الماء الساخن.

بعد تقطيعها، تُحشى الأمعاء بالعديد من التوابل مع الأرز ثم تُخاط، وتُطهى في المرق، المشكّل من الثوم والحمص والتوابل والملح، في قدرٍ ممتلئة بالماء ويترك يغلي حتّى يصير جاهزاً للأكل.

ويطلق أيضاً على أحشاء الأضحية اسم الدوارة، إذ تُجهّز بعد تنظيفها جيّداً، ثمّ تُقطّع قطعاً صغيرة، وتوضع في قدرٍ كبيرة مع إضافة مختلف التوابل التي تعطيها نكهة طيبة، فضلاً عن الطماطم والثوم والحمص، وغالباً ما تحضّر في اليوم الأول من عيد الأضحى.

الجدير ذكره أنّ الدوارة من الأطباق الشهية التي تقدم أيضاً في المناسبات والاحتفالات العائلية في العديد من المناطق، إذ يشتهر في كل البلاد وتتفنّن النساء في تزيينه ليكون جاهزاً لتقديمه للضيوف في شتى اللقاءات.

وفي بعض المناطق، تعدّ النساء طبق الكتف المحمّرة، وهو طبق شعبيٌّ يُطهى في الفُرن، حيث تُجوّف الكتف حتّى تتمكن المرأة من حشوها باللحم المفروم مع قطع صغيرة من الثوم والبصل وأنواعٍ من التوابل، فضلاً عن الفلفل الأخضر الحار، إذ يقدّم بعد نضجه مباشرة في إناء واسع مع إضافة شرائح من الليمون والبقدونس، ويُقسّم بالتساوي على أفراد الأسرة.

المساهمون