الاعتقالات السياسية تعود بقوة إلى الضفة

03 يونيو 2021
تظاهرة متضامنة مع فلسطين قبل أسبوع (Getty)
+ الخط -

تعود الاعتقالات السياسية إلى المشهد الفلسطيني مجددًا، بعد الإعلان عن التهدئة بين فصائل المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي. وكانت خفّت حدتها عقب إعلان الرئيس محمود عباس مرسومًا رئاسيًا قبل أكثر من 3 أشهر بشأن "تعزيز الحريات العامة" لتهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات العامة التي ألغيت أيضًا، حيث رصدت مؤسسات حقوقية خلال الأسبوعين الأخيرين اعتقال 22 فلسطينيًا على خلفية سياسية. 

وطاولت الاعتقالات والاستدعاءات، بالإضافة إلى الناشطين، أسرى محررين وصحافيين وفنانين، وتجاوز عدد الاعتقالات والاستدعاءات 22 خلال الأسبوعين الماضيين، كان آخرها استدعاء المخرج والصحافي عبد الرحمن الظاهر، والناشط زيد الشعيبي، بينما يتخوّف حقوقيون من اتساع حملة الاعتقالات والاستدعاءات هذه، خلال الأيام المقبلة. ووثقت مجموعة "محامون من أجل العدالة" تعرّض معتقلين سياسيين للضرب والإهانة بعد نقلهم إلى أريحا، بحسب بيان سابق لها، فيما تشير المجموعة الحقوقية إلى تعرض معتقلين للابتزاز والمساومة، كالطلب منهم عزل فريق "محامون من أجل العدالة" عن المتابعة القانونية أمام النيابات والمحاكم المختصة، وعلى وجه الخصوص نيابة أريحا.

حملة اعتقالات بعد إعلان التهدئة
ما إن انتزعت المقاومة الفلسطينية التهدئة في قطاع غزة، وانتهت الاحتفالات العارمة التي عمت الضفة الغربية بهذا النصر، حتى انتهى حال قرابة عشرين فلسطينياً في سجن "أريحا" شرقي الضفة الغربية الذي يعتبر سيئ الصيت والسمعة ويلقّبه الفلسطينيون بـ"المسلخ"، بعد حملة اعتقالاتٍ شنّتها الأجهزة الأمنية الفلسطينية، طاولت ناشطين وطلبة ومواطنين آخرين، على خلفية كتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتحويلهم جميعاً بصورة غير مسبوقة إلى سجن أريحا، وفق ما يؤكده حقوقيون. ويقول المحامي شاكر إطميزة، من مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، لـ"العربي الجديد": "إن التُهم التي يواجهها الناشطون المعتقلون مؤخراً، (إثارة النعرات الطائفية)، لكنها لا تنطبق على حالة حرية الرأي والتعبير التي يمارسها الناشطون بحكم القانون، إضافة إلى تهمة (تلقي أموال من جهات غير مشروعة)، وجهت لناشطي الحملة الانتخابية القريبين من القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان".

وفي رصد لكثافة الاعتقالات في الفترة الأخيرة، يؤكد المحامي شاكر إطميزة أنه وخلال أسبوع قطع ما مسافته 1177 كيلومتراً مربعًا، من أجل متابعة قضايا اعتقال سياسي لدى الأمن الفلسطيني بالضفة الغربية، لكن جهوده فشلت بالإفراج عن أي منهم. وبمفهوم الحسابات، فإن هذه المسافة هذه تعني ثلاثة أضعاف المسافة بين رأس الناقورة وأم الرشراش في فلسطين التاريخية، بحسب إطميزة، لكن جولات المحامي المدافع عن حقوق الإنسان حملت معها ما مجموعه مئة وعشرين يومًا لتوقيف المعتقلين السياسيين الذين يتابعهم، وكل هذه المسافة لم ينجح فيها بأن يفوز بقرار إفراج عن معتقل واحد، "لأجل هذا كله يسقط الاعتقال السياسي"، يقول إطميزة.

أريحا ليست مُريحة
تم ترحيل جميع الناشطين المعتقلين مؤخراً إلى سجن أريحا، بغض النظر عن مكان إقامتهم، بمخالفة صريحة للقانون الأساسي الذي يعتبر التوقيف تدبيراً "احترازياً" من أجل حفظ مُجريات التحقيق، لا من أجل معاقبة المُعتقل عبر تمديد توقيفه قدر المستطاع، والمماطلة في تحويل الملف للقضاء، وفق إطميزة. وبالتزامن مع بدء التهدئة بين فصائل المقاومة والاحتلال الإسرائيلي، واحتفال أهالي الضفة الغربية بانتصار المقاومة، فقد انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي منشورات ساخرة بين النشطاء حول إمكانية اعتقالهم في سجن أريحا، إذ تؤكد تلك المنشورات أن الاعتقالات في أريحا "ليست مريحة".

ويوضح إطميزة أنه من المفترض أن تبت محكمة الصلح الفلسطينية في هذه القضايا وأن تُخلي سبيل المعتقلين، وهذا ما لا تريده النيابة العامة ولا اللجنة الأمنية المُشتركة التي تولت هذه الفترة، بشكل لافت، حملة الاعتقالات، التي عادةً ما يتولاها جهاز أمني واحد؛ كما لا توجد إجراءات تحقيق منطقية تستدعي مدة التوقيف، إضافة لـ"تشدد" المحكمة بقبول تمديد المعتقلين لأيام أكثر، ولا "تُعلِم" النيابة المحامين بتحويل المعتقلين "الموكلين" إلى المحكمة، لتفويت فرصة تخفيف مدة التوقيف، وهذه الحملة مختلفة عن مثيلاتها السابقة، بمحاولة "ردع" النشطاء عن التعبير عن آرائهم.

خضيري والاعتقال "الخشن"
كان الناشط طارق خضيري أول المعتقلين السياسيين خلال الفترة الأخيرة، واعتقل لثلاثة أيام، تعرّض فيها لمعاملة وصفها في حديثه مع "العربي الجديد" بـ"الخشنة جداً"، والتحقيق معه حول التظاهرات والمسيرات التي شهدتها الضفة الغربية، بما فيها تلك المُشتعلة قرب حواجز الاحتلال، إذ يعد خضيري أن اعتقاله هو محاولة لإسكات كل صوت معارض، وتخويف الناس بسجن أريحا. ووفق خضيري، فإنه "لم تتوفر له الأدوية بداية اعتقاله؛ كونه مريضاً بداء السكري وسرطان الدماغ سابقاً، ولم يتناسب الطعام المتوفر مع وضعه الصحي، وخضع لثماني جلسات تحقيق خلال ثلاثة أيام، تمحورت حول احتمال علاقته بتنظيم سياسي خارجي، والفعاليات التي يشارك بها، ومقابلة سابقة اعترض بها على أداء منظمة التحرير الفلسطينية واستبدالها بجسم آخر إذا فشلت". ويعتبر الناشط طارق خضيري أن "المسرحية" القائلة إن هناك بالأصل حرية رأي وتعبير قد انتهت، وهذا ما استنبطه من الكلام الموجه له خلال التحقيق في أريحا.

"سقف الحريات" يتداعى... والتعذيب يعود
لأن سقف الحريات يبدو أنه متداعٍ، توقع المحامي شاكر إطميزة الأسوأ لموكليه، موضحًا في سياق ذلك أن علامات تعذيب المعتقل مصطفى الخواجا أصعب من أن يخبئها جسده النحيل، فطلب إطميزة في محكمة صلح أريحا الخميس الماضي (27 مايو/ أيار الجاري) أن يخلع المعتقل الخواجا ملابسه، وعندما فعل، ظهرت الكدمات والخدوش على فخذيه. ويقول إطميزة لـ"العربي الجديد": "كانت علامات ضرب مصطفى واضحة في منطقة القدمين، ولأننا نريد إثبات أقواله طلبت منه خلع ملابسه أمام القاضي، كذلك تعرض المعتقل أكرم سلمة للشيخ والشتم والسباب بشكل كبير أثناء تعذيبه، والتعذيب أمر ليس بجديد، لكنه لم يكن بهذه الصورة في فترة إصدار المرسوم الرئاسي بشأن تعزيز الحريات العامة الصادر في فبراير/ شباط الماضي، بشأن إجراء الانتخابات العامة الملغاة". ويوضح المحامي إطميزة أنه رغم أن المرسوم الرئاسي حول رفع سقف الحريات فترة مرحلة الإعداد للانتخابات العامة لا يُعتبر المورد "القانوني" الذي يستقي منه المحامون والمدافعون عن حقوق الإنسان نصوصهم القانونية، فإن السلطة التنفيذية تنقاض مرسوم رئيسها في اعتقالها النشطاء.

الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم الفلسطيني" طالبت بالإفراج عن المعتقلين في سجن أريحا عقب زيارتهم، مناشدة جميع الأطراف السياسية في غزة والضفة بالتوقف عن الاعتقال السياسي. ويقول المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان فريد الأطرش من الهيئة المستقلة لـ"العربي الجديد": "إن الاعتقال السياسي الحاصل مرفوض ويجب أن ينتهي وأن يحاسب القائمون عليه وما يرافقه من تعذيب، ويعد انتهاكاً لحق التعبير عن الرأي، ونقلهم لأريحا مخالف للقانون".

المساهمون