الاحتلال في Power Point

05 أكتوبر 2024
نتنياهو متحدثاً في مقر الأمم المتحدة، 27 سبتمبر 2024 (ليف رادين/ Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يُعرف بنيامين نتنياهو باستخدامه لعروض Power Point لتبسيط الصراعات في الشرق الأوسط، حيث يقسم المنطقة إلى "أصدقاء" و"أعداء"، متجاهلاً التعقيدات مثل حدود إسرائيل غير المرسمة وغزة والضفة الغربية.

- تُستخدم هذه الخرائط كأداة سياسية تُظهر إسرائيل كدولة صغيرة محاطة بأعداء، بينما تتجاهل الواقع المعقد مثل القصف والاعتقالات، وتثير تساؤلات حول التناقض بين الرسائل الموجهة للغرب والداخل الإسرائيلي.

- تتجاوز خرائط نتنياهو الشرق الأوسط لتشمل شمال أفريقيا، مما يثير جدلاً سياسياً حول سيادة المغرب، ويعكس استفزازاً لجذب دول أكبر للصراع، وسط اتهامات دولية لنتنياهو.

 

لطالما أُشير إلى رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيل، بنيامين نتنياهو، بوصفه صانعاً ماهراً لعروض الـPower Point، حين يخاطب الجمهور الغربي، وخصوصاً الأميركي، فيقدّم إليهم "المعلومات" مختزلة، وسريعة، تُتوّج بخريطة، تمثّل تقسيمه للعالم، وبصورة أدق، تقسيم إسرائيل لمنطقة الشرق الأوسط. آخر هذه الخرائط رفعها نتنياهو في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، قبل أن يرده اتصال لتأكيد عملية اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله؛ إذ قسم المنطقة هذه المرة إلى أمرين أيديولوجيين: الأول باللون الأسود تحت اسم "اللعنة"، ويضم إيران والعراق وسورية ولبنان، من دون اليمن، في دلالة لا نعرف بدقة معناها، علماً أن الحوثيين يهددون طريق الملاحة في البحر الأحمر، وقسم باللون الأخضر بعنوان "النعمة"، يشمل مصر والسعوديّة والسودان والهند والأردن، يمر فيها على ما يبدو أنه خط تجاري.

التقسيم في هذه الخريطة، وكما في كل خريطة، يحاول تأكيد أن حجم "إسرائيل" ذات مساحة صغيرة مقارنة بـ"جيرانها"، علماً أن حدود إسرائيل غير مرسمة، ومطامعها التوسعية لا يمكن إنكارها. مع ذلك، تبقى هذه الخرائط كعلامة سياسية وتقسيم العالم بين حلفاء و"أعداء"، وبالطبع تختفي غزة والضفة الغربية، كما في خريطة "الشرق الأوسط الجديد" التي رفعها نتنياهو في المكان نفسه عام 2023.

خرائط بسيطة، مدرسية، ملونة، على سذاجتها تستخدم في الأمم المتحدة كوسيلة إيضاح، ودليل أحياناً، بل ويقتنع بها بعضهم. خرائط تختزل الحيثيات والصراعات وتركز على تعميمات عمياء، تقسم المنطقة إلى "أصدقاء" و"أعداء" من دون أي اعتبارات. وهنا المفارقة: حدود إسرائيل تتغير في هذه الخرائط، لكن الأهم هل "العالم" بهذه السذاجة ليصدق عروض الـPower Point هذه؟ الاختلاف يتضح في الخرائط التي تبث بالعبريّة، كتلك التي "شرح" فيها نتنياهو خطة اجتياح غزة، إذ لا تختفي فيها فقط الضفة الغربية، بل يظهر فيها قطاع غزة، بجنوبه ووسطه المليئين برموز النقود والصواريخ والمقاتلين.

خريطة كهذه، خالية من أي استراتيجية عسكرية، ولا تعكس صورة الواقع، ولا تُعرض أمام الغرب، لكن المفاجأة أن وزارة الخارجية الأميركية رأت فيها "استخفافاً بالشرعية الدولية"، ليس لكونها علامة على إبادة غزة، بل لأنها لا تحوي خريطة الضفة الغربية، في ترسيخ لفكرة الاستغناء عن غزة. بهذا، نحن أمام حماقتين: الأولى تجاهل الإدارة الأميركية لشكل غزة في الخريطة، والثانية الامتعاض من تجاهل الضفة الغربية، ليس بسبب ما تشهده من قصف واعتقالات، بل لعدم رسمها، علماً أنها إذا رُسمت، فأي حدود ستكون لها؟ هل ستشمل الـ12 كم المصادرة عام 2024؟

لا يكتفي نتنياهو بخرائطه في منطقة الشرق الأوسط، إذ رفع خريطة هذا العام لشمال أفريقيا، تظهر فيها الصحراء الغربية خارج سيادة المغرب، وصحيح أن مكتبه أصدر بياناً يؤكد أن "إسرائيل تعترف بسيادة الرباط على الصحراء منذ عام 2023، وأن الخريطة التي استخدمها نتنياهو لا تعني تغييراً في الموقف"، لكنّ خطأً كهذا غير بريء أبداً، خصوصاً أننا أمام خريطة شديدة البساطة، ولا تحوي سوى حدود وألوان.

نحن أمام استفزاز سياسي يهدف إلى جذب دول أكبر إلى الصراع، ولو عبر التذكير بالعلاقات الدبلوماسيّة. لن تتوقف خرائط نتنياهو ولا قوات الاحتلال، عند تقسيم المنطقة إلى مناطق آمنة وأخرى ساخنة. وخريطة إسرائيل نفسها تتوسع، وتتغير الألوان، وغرور نتنياهو لا يتوقف على تقسيم المنطقة إلى لعنات وبركات، في حين أن خسائر جيش الاحتلال في أثناء الاجتياح البري لجنوب لبنان بدأت تتضح، وتهم الإبادة الجماعية ومذكرات التوقيف الدوليّة تلاحق نتنياهو. نتساءل: هل نحن أمام تكتيك سياسي أم نبوءات دينية؟

المساهمون