لم يسلم الصحافيون الفلسطينيون في الضفة الغربية من الملاحقة والاستهداف والتحريض عليهم من قبل المستوطنين وقوات الاحتلال الإسرائيلي، وقد اعتقل 26 منهم، منذ بدء العدوان على غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذها مقاومو "القسّام"، الجناح العسكري لحركة حماس. لينخفض العدد مساء أمس الأحد إلى 25 مع إفراج الاحتلال عن الصحافية سمية جوابرة.
ووجهت إلى الصحافيين المعتقلين تهمة "التحريض"، أو صنف ملفهم "سرياً" وأحيلوا إلى الاعتقال الإداري. وتواجه المؤسسات الرسمية والحقوقية المعنية بمتابعة قضايا الأسرى صعوبة بالغة في التواصل مع المعتقلين، ومنهم الصحافيون، بسبب قوانين الاحتلال الجديدة التي تقضي بحجب المعلومات عن أي أسير إلى حين مرور ثمانية أيام على اعتقاله.
وخلال عمليات الاعتقال، كان الاحتلال يتعمد مصادرة مقتنيات وأجهزة عمل الصحافيين وحواسيبهم وهواتفهم الشخصية، بهدف "جمع مخزون معلوماتي يمكّن الاستخبارات من توجيه اتهامات لهم"، وفقاً لما أكدته مديرة دائرة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني أماني سراحنة لـ"العربي الجديد".
وأفادت سراحنة بأنه بعد أيام من الاعتقال، كانت محاكم الاحتلال تحول غالبيّة الصحافيين للاعتقال الإداري، علماً أنه منذ السابع من أكتوبر صدر 1034 أمر اعتقال إداري بحق الأسرى الفلسطينيين.
بالنسبة للمؤسسات الحقوقية العاملة في متابعة الأسرى، فإنها لم تعد ترى أي جدوى بالتوجه إلى المؤسسات الدولية لمتابعة اعتقال الصحافيين، فهي، بحسب السراحنة، لم تحدث أثراً أمام جرائم الاحتلال من العدوان الشامل على قطاع غزة واعتقال الفلسطينيين، ومنهم الصحافيون.
يُشار إلى أنّ الاحتلال صعّد حملات الاعتقال الانتقامية الواسعة في الضفة والقدس المحتلتين منذ السابع من أكتوبر الماضي، اعتقل خلالها أكثر من 2420 مواطناً، من بينهم أكثر من 75 حالة اعتقال سجلت بين صفوف النساء (المعطيات المتعلقة بحالات الاعتقال تشمل من أبقى الاحتلال على اعتقالهم، أو من أفرج عنهم لاحقاً). ترافق الاعتقال غالباً عمليات تنكيل واسعة واعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، إلى جانب عمليات التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين، واعتقال مواطنين كرهائن.
أدناه إضاءة على 4 صحافيين معتقلين تعكس معاناتهم وزملائهم.
لمى خاطر
فجر السادس والعشرين من الشهر الماضي، اعتقلت قوات الاحتلال الكاتبة الصحافية لمى خاطر (47 عاماً) من مدينة الخليل، جنوبي الضفة الغربية، وهي أم لخمسة أبناء، أصغرهم عمره سبع سنوات. خلال عملية الاعتقال، أطلق جنود الاحتلال في وجه خاطر التهديد والوعيد بالقتل والترحيل إلى قطاع غزة، وزعموا أنها "تحرض على قتل الأطفال". منعوها أيضاً من دخول الحمام، وخرّبوا كل غرف المنزل، وصادروا علم فلسطين، وكرروا على مسامع العائلة القول: "سنقتلكم، ونقطع رؤوسكم، وسنفعل بكم كما يحصل في غزة"، وفقاً لما قاله زوج الصحافية حازم فاخوري لـ"العربي الجديد".
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، إذ "أثناء وجود خاطر في معسكر جيش الاحتلال في مستوطنة كريات أربع المقامة على أراضي الخليل، هددها ضابط الاحتلال بالاغتصاب برفقة 20 جندياً، ثم هددها بحرق أولادها أمام عينيها"، وفقاً لما نقله المحامي المتابع لقضايا الأسرى حسن جبّارين إلى فاخوري.
لاحقاً، نقل الاحتلال خاطر إلى سجن هشارون المخصص للأسيرات، حيث تعتقل قوات الاحتلال نحو 63 فلسطينية في ظروف إنسانية صعبة.
في أثناء اعتقالها، اقتحمت قوات الاحتلال منزلها مرة أخرى للمطالبة بتسليم هاتفها في محاولة إدانتها، وفقاّ لما أكده زوجها الذي أفاد بتمديد اعتقالها الاثنين الماضي مدة 144 ساعة. يحاول الاحتلال توجيه تهمة "التحريض" لها، لكنه فشل بذلك، ما يؤشر بحسب محاميها، إلى احتمال تحويل اعتقالها للملف الإداري السّري بلا تهمة.
عامر أبو عرفة
في 8 نوفمبر، اقتحمت قوات الاحتلال منزل الصحافي عامر أبو عرفة في الخليل، وانهالت عليه بالضرب، وصادرت هواتفه، وأرهبت أطفاله الثلاثة بعد احتجازهم داخل إحدى الغرف، وفقاً لما أكده شقيقه محمد خلال حديثه مع "العربي الجديد".
قبل نحو ثمانية أشهر فقط، أفرجت قوات الاحتلال عن عامر أبو عرفة، بعد أن أمضى ثمانية أشهر في الاعتقال الإداري بتهمة "التحريض"، وذلك على خلفية عمله الصحافي. والاعتقال الحالي هو الرابع لأبو عرفة، ليصبح إجمالي ما أمضاه في سجون الاحتلال قرابة ست سنوات.
عبد المحسن الشلالدة
لا تنسى مهية الشلالدة، من بلدة الشيوخ شمال الخليل، المشاهد المؤلمة لاعتقال نجلها الصحافي عبد المحسن الشلالدة. فجر السابع من الشهر الحالي، اقتحمت قوات الاحتلال محيط المنزل، وخرّبت كاميرات المراقبة، ثم اعتدت على عبد المحسن الشلالدة وأفراد عائلته بالضرب المبرح والشتم، وصادرت هواتفهم.
ما كان مفاجئاً لعائلة الشلالدة، بحسب ما روته والدة الصحافي لـ"العربي الجديد"، هو أن جنود الاحتلال نشروا مقاطع عبر حساب نجلها في "فيسبوك" تظهر علم إسرائيل وأغاني باللغة العبرية. وأكدت والدة الشلالدة تعرضه قبل أسابيع للتهديد من ضابط في جيش الاحتلال بالاعتقال حال استمر في التصوير الميداني الذي يوثق انتهاكات المستوطنين أو المواجهات مع قوات الاحتلال، مشيرة إلى أن هذا الاعتقال ليس الأول لنجلها، فهو اعتقل سابقاً ثلاث مرات جميعها على خلفية عمله.
ولم تسلم وسائل الإعلام من الاحتلال الذي أصدر قراراً عسكرياً يقضي بإغلاق مكتب وكالة جي ميديا المحلية في رام الله، وذلك في السادس عشر من الشهر الماضي، واعتقال عدد من العاملين فيها.