الإعلام الروسي والربيع العربي في ذكراه العاشرة

28 ديسمبر 2020
من احتفالات الذكرى العاشرة للثورة التونسية (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -

لم تبق وسائل الإعلام الروسية على مدى الأيام الماضية بمنأى عن الذكرى العاشرة لانطلاق "الربيع العربي" في تونس في نهاية عام 2010، وسط تناولها أوضاع عدد من الدول العربية بعد مرور عقد على تلك الأحداث المفصلية ومعالجة تداعيات هذا الحراك العربي غير المسبوق. لكنّ الإعلام الروسي له منظار واحد لثورات الشعوب العربية: معارضتها.

وتضمن برنامج "حصاد الأسبوع" على قناة "إن تي في" التابعة لشركة "غازبروم ميديا" في حلقة الأحد الماضي، تقريراً بعنوان "مهاجرون وحروب وهجمات إرهابية: ماذا أدى إليه الربيع العربي؟"، ذكّرت القناة فيه بأن شرارة "الربيع العربي" انطلقت من مدينة سيدي بوزيد التونسية بعد إشعال الشاب محمد البوعزيزي النار في نفسه رفضاً لتعسف الشرطة، دون أن يتوقع أحد آنذاك أن يؤدي ذلك إلى موجة كاملة من الانتفاضات في شمال أفريقيا وحريق أسفر عن سقوط الطغاة بدءاً من التونسي زين العابدين بن علي، فالمصري حسني مبارك، والعقيد الليبي معمر القذافي.  

تركيز على التداعيات السلبية لما بعد ثورات الربيع العربي

ومع ذلك، غلبت لهجة نقدية وهجومية على التقرير الذي ركّز على إبراز التداعيات السلبية لما بعد ثورات "الربيع العربي" مثل "تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وصعود الإسلاميين الراديكاليين، واستمرار الحروب في ليبيا وسورية واليمن، وتنامي دور القوى الخارجية في المنطقة". وشمل التقرير مداخلة للسفير البريطاني الأسبق لدى سورية والبحرين، بيتر فورد، الذي قال: "من المستفيدون نتيجة لذلك؟ يتحدث أمين عام جامعة الدول العربية عن ذلك بصراحة اليوم. في مقدمتهم إسرائيل وإيران اللتان تصفيان حساباتهما في سورية واليمن، مقاتلتين من أجل مصالحهما على أراضي الغير. ولكن أكبرهم (الرئيس التركي رجب طيب) أردوغان الذي تسلل إلى كل مكان للإعلان عن أطماعه الإمبريالية، بعد أن كان يسلك سلوكا مختلفا تماما قبل هذا الربيع". 

من جهتها، اعتبرت محررة شؤون الشرق الأوسط بصحيفة "كوميرسانت" الروسية، ماريانا بيلينكايا، أن أهمية تاريخ 17 ديسمبر/كانون الأول 2010 للعالمين العربي وغير العربي لا تقل عن أحداث 28 يونيو/حزيران 1914، حين شكلت واقعة اغتيال ولي عهد النمسا-المجر، فرانز فرديناند، ذريعة لاندلاع الحرب العالمية الأولى التي أسفرت عن انهيار بضع إمبراطوريات. وفي مقال بعنوان "تجرؤوا على الخروج إلى الميدان" نشر السبت، لفتت بيلينكايا إلى أن "الربيع العربي" لم يؤد في بلدانه إلى تغيير جذري للنخب أو الانتصار على الفساد أو تحسين الوضع الاجتماعي - الاقتصادي أو ارتفاع سقف الحريات.

ورغم إقرار كاتبة المقال بأن تونس شكلت النموذج الأكثر حظا لانتقال السلطة خلال "الربيع العربي"، إلا أنها قالت إنّه "حتى هذا البلد لم يتمكن من استعادة الاستقرار الاقتصادي وسط ارتفاع معدل البطالة إلى 18 في المائة بين مجموع الأيدي العاملة و36 في المائة بين الشباب". ولفتت أيضاً إلى تجربتي بقاء السلطة ذاتها قائمة في البحرين نتيجة لـ"وقف الاحتجاجات العارمة للشيعة بفضل دخول قوات مجلس التعاون الخليجي"، وفي سورية نتيجة لدعم إيران وروسيا لحليفهما، بشار الأسد، "رغم قيام دول عربية وتركيا والغرب بكل ما بوسعها لإسقاط حكومته".   

وتعاملت موسكو مع "الربيع العربي" بالفتور والريبة منذ انطلاقه، خاصة وأن تلك الثورات تلتها موجة من الاحتجاجات في روسيا نفسها للمطالبة بإجراء انتخابات برلمانية نزيهة ورفضاً لعودة فلاديمير بوتين إلى كرسي الرئاسة في عام 2012 بعد أن شغل منصب رئيس الوزراء لمدة أربع سنوات. 

ومع ذلك، أدت الأحداث التي تلت الثورات في العالم العربي إلى تعزيز نفوذ روسيا في المنطقة في نهاية المطاف، لا سيما بعد بدء تدخلها العسكري المباشر في سورية في 30 سبتمبر/أيلول 2015 وتزايد دورها في الأزمة الليبية وغيرها من الملفات الإقليمية الساخنة.

المساهمون