- الإعلام الإسرائيلي يعرض تبريرات تشير إلى إعفاء الجيش من المسؤولية، معتبرين القصف "ثمنًا طبيعيًا" في الحروب، مما أثار انتقادات حتى داخل إسرائيل.
- تغطية الإعلام الإسرائيلي تعكس توجهًا لشيطنة الفلسطينيين وتبرير إبادتهم، دون تعاطف مع الضحايا المدنيين، مما يبرز التحديات الأخلاقية والقانونية للإعلام في زمن الحروب.
أعادت مجزرة رفح التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مساء الأحد الماضي، تسليط الضوء على انجراف الإعلام الإسرائيلي في تبرير وحشية جيشها والاحتفاء به.
"لم يلق سلاح الجو القنبلتين الموجهتين على معسكر النازحين الفلسطينيين إلا بعد حصوله على كل الأذونات من المستويات العسكرية ذات العلاقة"، هكذا علّق نير دفوري، المحلل العسكري لقناة 12 الأكثر مشاهدة في إسرائيل على مجزرة رفح التي أدّت إلى استشهاد 45 فلسطينياً، جلهم من الأطفال والنساء. بنظر دفوري، الذي كان يتحدث في نشرة الأخبار التي بثتها القناة مساء الاثنين، فإن حصول سلاح الجو على "كل الأذونات" يعفيه من المسؤولية عن المجزرة. أما زميله يئير شراكي فلم يبد مكترثاً بالمجزرة، حيث اعتبرها "ثمناً طبيعياً يدفع خلال الحروب الطويلة".
أثارت ملاحظة شراكي حفيظة ناقدة الإعلام في صحيفة هآرتس، ياسمين ليفي، التي استهجنت في مقال، الثلاثاء، ألا يشير شراكي إلى حقيقة أن السبب الرئيسي في إطالة أمد الحرب يتمثل في حقيقة أن رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يرى أن هذا الواقع يخدم مصالحه السياسية الشخصية.
وشدّد المعلقون العسكريون في قنوات التلفزيون، الاثنين، على أنه لا يمكن أن يتعمد جيش الاحتلال قصف منطقة صنفها هو منطقةً آمنةً، وذلك بعد أكثر من سبعة أشهر على حرب الإبادة التي يشنها جيش الاحتلال، والتي قتل فيها أكثر 35 ألف فلسطيني.
الإعلام الإسرائيلي في خدمة الإبادة
المفارقة أن دفاع الإعلام الإسرائيلي عن "أخلاقية" جيشه واستنفاره ضد كل من يتهم هذا الجيش بتعمد استهداف المدنيين الفلسطينيين يتناقض مع رواية الكثير من القيادات العسكرية الإسرائيلية التي تؤكد أنهم يستهدفون عمداً المدنيين الفلسطينيين. وفي تحقيقه الموسع الذي نشره قبل شهر ونصف شهر اقتبس موقع سيحا مكوميت عن ضباط كبار في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية قولهم إن جيش الاحتلال يدرك أنه إلى جانب كل مقاوم فلسطيني تغتاله إسرائيل يقتل 30 مدنياً فلسطينياً لا علاقة لهم بالفعل المقاوم. كما أبلغ أحد ضباط الاستخبارات معد التحقيق بأن مدة معاينته لملف كل مرشح للتصفية تصل إلى 20 ثانية فقط قبل إعطاء القرار بتنفيذ الاغتيال.
وقد عمد الإعلام الإسرائيلي بمجمله إلى تبرير مجزرة رفح بشكل غير مباشر عبر الزعم أن قصف المخيم هدف إلى اغتيال اثنين من قيادات حركة حماس وُجدا فيه. في المقابل، ما أثار قلق وسائل الإعلام الإسرائيلية من تداعيات المجزرة هو المخاوف من أن تسهم هذه المجزرة في إضعاف مكانة إسرائيل الدولية، وأن تسمح بزيادة الضغوط عليها لوقف الحرب، من دون إبداء أيّ ملاحظة حول إزهاق أرواح العشرات من الأطفال والنساء.
واعتبر بعض المعلقين، مثل المحلل العسكري في قناة 13، ألون بن دافيد، أنّ أكثر ما يثير القلق في مجزرة رفح هو توقيتها لأنها جاءت بعد قرار محكمة العدل الدولية الذي اشترط موافقة المحكمة على مواصلة العملية العسكرية في رفح بالتزام إسرائيل بعدم ارتكاب أنشطة يمكن اعتبارها "إبادة جماعية".
إلى جانب ذلك، فإن مجزرة رفح تمثل أيضاً مثالاً كلاسيكياً لتجاهل وسائل الإعلام الإسرائيلي للتناقض الفج في الروايات الصادرة عن جيش الاحتلال.
تناقضات من دون مساءلة
قبل 48 ساعة من مجزرة رفح احتفت وسائل الإعلام الإسرائيلية بفيديو نشره الناطق بلسان جيش الاحتلال ادعى أنه يوثق تراجع طائرة حربية إسرائيلية عن اغتيال ناشط في حركة حماس، بسبب وجود فتى فلسطيني يستقل دراجة بالقرب منه.
لكن وسائل الإعلام الإسرائيلية لم تطرح السؤال التالي: كيف لسلاح جو الاحتلال الذي بإمكانه أن يلاحظ وجود فتى واحد بالقرب من شخص مرشح للاغتيال، ألّا يتمكن من رؤية آلاف النازحين الفلسطينيين الذين كانوا يوجدون في معسكر الخيام الذي زعمت إسرائيل أنه كان يضمن قياديين من حركة حماس؟
ليس هذا فحسب، بل إن وسائل الإعلام تتجاهل الفيديوهات التي ينشرها ضباط جيش الاحتلال وجنوده على مواقع التواصل الاجتماعي العبرية، وهم يتباهون بتفجير المباني في القطاع وتوثيقهم عمليات التخريب المتعمد للممتلكات الفلسطينية. في أحايين قليلة تتم الإشارة فقط إلى هذه الفيديوهات بوصفها تسهم في توفير أدلة على إدانة إسرائيل في المحافل الدولية.
ولفتت الصحافية عميرة هاس إلى حقيقة أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتجنب نشر الصور والفيديوهات التي توثق الجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال في حربه على قطاع غزة، فضلاً عن حرصها على عدم تقديم أي معطيات حول نتائج هذه الجرائم.
وفي تحليل نشرته صحيفة هآرتس في عددها الصادر الثلاثاء، أوضحت هاس بأن وسائل الإعلام الإسرائيلية تعتمد تبني الرواية الرسمية من خلال إضفاء صدقية على البيانات التي يصدرها الناطق بلسان جيش الاحتلال دانييل هجاري حول مسار الحرب، على الرغم من أن هذه البيانات تثير الكثير من الشكوك. تضيف: "فقط من يعتمد على رواية وسائل الإعلام الإسرائيلية يمكن أن يثق برواية الجيش الإسرائيلي بشأن الهجوم في رفح".
شيطنة الفلسطيني
لكن أنماط تغطية الإعلام الإسرائيلي تنسجم تماماً مع توجهاته القائمة على شيطنة الفلسطينيين وتبرير إبادتهم وعدم تحمل أي مظهر من مظاهر التعاطف مع القتلى من الأطفال والنساء في غزة. قبل شهر، شن مقدم البرامج في القناة 12، داني كشمارو، هجوماً كاسحاً على المغني أريك كفلطون لأنه عبّر عن التعاطف مع الأطفال الفلسطينيين الذين يقتلون في قصف جيش الاحتلال. افتتح كشمارو حلقته بمونولوغ طويل هاجم فيه كفلطون، معلناً أنه لن يستمع إلى أغانيه بعد اليوم.
لم تتوقف وسائل الإعلام الإسرائيلية عن شيطنتها للفلسطينيين والتعبير عن حماسها لحرب الإبادة التي يمارسها جيش الاحتلال، انطلاقاً من الافتراض بأن هذا التوجه يلقى استحساناً لدى الرأي العام الإسرائيلي المتعطش للانتقام. هذا ما أشارت إليه الكاتبة أريس لعال في مقال نشرته "هآرتس" قبل أسبوعين، لفتت فيه إلى أن الإسرائيليين باتوا مصابين بمرض الذُّهان الجماعي، إذ إنهم باتوا على قناعة بأن ما لم يمكن تحقيقه بالقوة يمكن إنجازه بمزيد من القوة والعنف.
ونظراً إلى إدراكها حجم فظاعة التوجهات السادية لدى الإسرائيليين، عمدت بعض وسائل الإعلام إلى استقطاب المعلقين الذين اشتهروا بشكل خاص بالتحريض على قتل الفلسطينيين.
أحد أبرز الأمثلة على ذلك، قيام قناة أي 24 نيوز بمنح مبلغ 120 ألف شيكل (أكثر من 32 ألف دولار) راتباً شهرياً لمعلق الشؤون العربية تسفيكا يحزكيل في القناة 13، أحد أبرز المحرضين على قتل الفلسطينيين، للانتقال إليها، فضلاً عن تدشين استوديو خاص به في منزله حتى لا يضطر إلى مغادرته. علماً أن حزكيل الذي ينتمي إلى التيار الديني الحريدي، اشتهر بعدما دعا دولة الاحتلال إلى قتل 100 ألف فلسطيني في اليوم الأول لحرب الإبادة التي تشنها على قطاع غزة.