أعادت الأزمة التي تعيشها "إكسبراس أف أم" ودعوة النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين مالك الإذاعة إلى الإيفاء بالتزاماته المالية تجاه العاملين فيها، الأزمة الاقتصادية التي يعيشها هذا القطاع إلى الواجهة، خاصة أن هذه الدعوة سبقها إعلان الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا) عن سحب ترخيص إذاعة نجمة أف أم، بعد توقفها عن البث لمدة ثلاثة أشهر متتالية، بسبب وضعها المالي الصعب.
وفقاً للهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (الهايكا)، المسؤولة عن منح الإجازات القانونية لبث وسائل الإعلام السمعية البصرية، يقدّر عدد الإذاعات التونسية بـ51 إذاعة: 17 إذاعة خاصة، و12 إذاعة رسمية، و22 إذاعة جمعياتية. في حين تقدّر الحقيبة المالية للإعلانات التجارية السنوية في تونس، وفقاً للمكاتب المختصة في قياس نسب الاستماع والمشاهدة، بنحو 200 مليون دينار (نحو 61 مليون دولار أميركي)، يوجّه الجزء الأكبر منها، أي نحو 140 مليون دينار، للإعلانات التجارية في القنوات التلفزيونية، والباقي للإعلانات التجارية في بقية وسائل الإعلام التونسية. وعلى هذا المنوال، لا تتجاوز قيمة الإعلانات التجارية الموجهة للمحطات الإذاعية 35 مليون دينار.
الإعلانات التجارية الموجهة للمحطات الإذاعية تحتكر النسبة الأكبر منها إذاعة موزاييك أف أم وإذاعة إي أف أم وإذاعة جوهرة أف أم، وهي إذاعات خاصة. ولا يبقى للإذاعات الأخرى إلا النزر القليل الذي لا يمكّنها من ممارسة عملها بشكل طبيعي، ما عدا الإذاعات العمومية (الرسمية) التي تتمتع بميزانية خاصة من الحكومة التونسية تقدّر بنحو 50 مليون دينار تونسي.
هذه المسألة تضع الإذاعات وسط وضع مالي صعب، وتزيد صعوبته. ووفقاً للخبير في الإعلانات التجارية نبيل جريدات، فإنّ "العمولات التي تحصل عليها الشركات المختصة في الإعلانات التجارية التي تقوم بدور الوسيط بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الاقتصادية، قد تصل نسبتها إلى ما يعادل خمسين في المائة من إجمالي قيمة المبالغ التي تخصصها المؤسسات الاقتصادية للإعلانات التجارية". وأضاف جريدات، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "ما تتحصل عليه المؤسسات الإعلامية كعائدات مالية صافية، من الحقيبة المالية المخصصة للإعلانات التجارية، لا يتجاوز في أحسن الأحوال نصف قيمة هذه الحقيبة المالية".
الحال تزيدها سوءاً الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تونس منذ سنوات، وعرفت أوجها سنة 2022، وهو ما ستكون له تبعات على الإذاعات، وخاصة الجمعياتية التي لا تمتلك موارد مالية كافية، ما دفع عضو "الهايكا" هشام السنوسي إلى الدعوة للتفكير في إيجاد حلول عملية لإنقاذ هذه المنصات حتى تتمكن من القيام بأدوارها بكل أريحية.
هذا، وتتطلب الإدارة المالية لمحطة إذاعية بشكل ناجع ما لا يقل عن مليون دينار تونسي (نحو 330 ألف دولار أميركي)، وفقاً لمختص في اقتصاد وسائل الإعلام، وهو ما لا يتوفر لجلّ الإذاعات التونسية اليوم ويجعلها في مهب ريح الإغلاق النهائي، وسحب إجازتها القانونية، وإحالة العاملين فيها إلى البطالة الإجبارية.
لذلك، يرى نقيب الصحافيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي أن "على الحكومة التونسية تحمل مسؤوليتها، من خلال نشر الاتفاقية الإطارية للعاملين في القطاع الإعلامي، لضمان حقوق الصحافيين المادية والاجتماعية، والنأي بهم عن الوضعية الصعبة التي يعيشها الكثير من العاملين في وسائل الإعلام التونسية". وكانت النقابة قد حمّلت الحكومة مسؤولية "حرمان الزملاء في قطاع الإعلام، وخاصة الإعلام السمعي البصري، من حقوقهم، لعدم نشر الاتفاقية الإطارية في الرائد الرسمي، وهو ما تسبب في تنصل أغلب أصحاب المؤسسات من مسؤولياتهم".
إلى ذلك، أحيت إذاعة شمس أف أم المصادرة، في 27 سبتمبر/ أيلول الماضي، عيدها الثاني عشر، وسط غموض تام بخصوص مستقبلها، خاصة بعد فشل عملية التفويت (الخصخصة) الأخيرة، وفق ما لفتت النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين والنقابة الأساسية للإذاعة. وقد طالبتا بـ"تقديم المعلومة الرسمية بخصوص مستقبل الإذاعة والسيناريوهات المحتملة حفاظاً على ديمومتها ومواطن الشغل فيها، وضماناً للتعددية في المشهد الإعلامي"، و"الكشف عن نتائج عملية التدقيق التي قامت بها كل من مصالح لجنة التصرف في الأملاك المصادرة والهيئة العامة للرقابة المالية، وضرورة تحميل المسؤوليات ومحاسبة كل من ثبت تورطه في سوء التسيير وإيصال الإذاعة إلى الوضعية الصعبة التي تعيشها اليوم"، و"إيجاد حل عاجل لمشكلة الذبذبات وقطع بث الإذاعة في عدد من المناطق، وضرورة معالجة الإشكاليات التقنية التي تهدد استمرارية المؤسسة"، و"ضرورة التزام كل من رئاسة الحكومة ووزارة المالية ومؤسسة الكرامة القابضة بالاتفاقيات السابقة التي تنص على ضمان استمرارية المؤسسة وخلاص المستحقات المالية المتخلدة بالذمة للصحافيين والعاملين في الإذاعة"، و"ضرورة التسريع في تمكين كافة العاملين في الإذاعة من حقهم في الزيادة في الأجور وفق الاتفاقية التي تم توقيعها بين كل من الاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية في يناير/ كانون الثاني الماضي".