اعتقال كريس وو... اغتصاب وسياسة وحروب ثقافية

07 اغسطس 2021
المغني الصيني ــ الكندي كريس وو (VCG/Getty)
+ الخط -

اعتقلت السلطات قبل أيام في العاصمة بكين نجم البوب الصيني الشهير كريس وو، للاشتباه بارتكابه جرائم اغتصاب. وقالت الشرطة الصينية في بيان لها، إنها اعتقلت الشاب البالغ من العمر ثلاثين عاماً، بتهم اغتصاب، وذلك بعد النظر في بلاغ قدمته فتاة قاصر. وأشار البيان إلى أن التحقيقات جارية في مزاعم تتعلق بفتيات أخريات. 
وكانت فتاة تدعى دو تبلغ من العمر 18 عاماً، قد أثارت جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي الصينية في شهر يوليو/تموز الماضي، بعدما اتهمت العضو السابق في فرقة "إكسو" الكورية الجنوبية للفتيان، باستدرج العديد من القاصرات لإقامة علاقات جنسية معهن.
غير أن مراقبين رأوا أن عملية الاعتقال قد رافقتها هذه الضجة الكبيرة لسبب آخر غير تحقيق العدالة، له علاقة مباشرة بتوجيهات الرئيس الصيني شي جين بينغ، بشأن تعزيز قيم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية بين جيل الشباب، خصوصاً في ظل موجة تغريب المجتمع الصيني، وميل الشباب نحو التقليد الأعمى للثقافة الغربية.
ويعتبر كريس وو (يحمل الجنسية الكندية)، واحداً من أكثر الفنانين شعبية في الصين، ولديه تأثير كبير على الشباب الذين يقلدونه في مظهره وثيابه وأزيائه الغريبة عن التقاليد الصينية. 
في تعليقها على الحادثة، قالت صحيفة "الشعب" اليومية الناطقة باسم الحزب الشيوعي الصيني، إن الجنسية الأجنبية ليست تعويذة، وإنه لا توجد حصانة لأي شخص بغض النظر عن مدى شعبيته وشهرته، ومن يخالف القانون الصيني سيعاقب. وحسب مطلعين على القضية، فإنه في حالة إدانة وو، قد يُحكم عليه بالسجن عشر سنوات، وقد يتم ترحيله إلى كندا بعد قضاء فترة العقوبة في الصين.
كان لافتاً في أعقاب عملية الاعتقال، بأن سلطات الإنترنت في الصين أطلقت حملة كبيرة استهدفت المنشورات والمنصات الإلكترونية ذات الصلة بالفنان، شملت إلغاء حسابه الشخصي على موقع "ويبو" (المعادل الصيني لموقع تويتر) والذي يتابعه أكثر من 50 مليون متابع، بالإضافة إلى حذف 150 ألف منشور، وإغلاق أكثر من 1300 مجموعة دردشة. وتعهدت هيئة الرقابة على الفضاء الإلكتروني في الصين بمواصلة تكثيف الجهود لتوجيه المستخدمين وضبط السلوكيات غير اللائقة. كما أعلنت الإدارة الوطنية للإذاعة والتلفزيون، عن خطط لفلترة البرامج المتنوعة عبر الإنترنت، في محاولة للحد من عبادة المشاهير، وما يترتب على ذلك من هدر للأموال والقيم.

تزامنت الإجراءات الأخيرة، مع نشر مقالة في صحيفة تتبع وكالة أنباء شينخوا، اعتبرت ألعاب الفيديو أفيوناً روحياً، فيما فُسر على أنه إشارة إلى اعتزام السلطات حظر هذه الألعاب في المستقبل القريب من أجل نفس الهدف المتمثل في الحفاظ على الشباب ضمن حملات التعبئة المجتمعية التي تقودها مراكز الفكر والدعاية التابعة للحزب الشيوعي.
حول هذا الأمر، قال الناشط الحقوقي في جزيرة هونغ كونغ، مارك لام، إن حادثة اعتقال كريس وو، ليست مسألة أخلاقية، بل رسالة من الحزب لصنّاع الترفيه في البلاد، بأنه لا مجال ولا نطاق للفن والموسيقى خارج إطار الاشتراكية الصينية. وأضاف في حديثه مع "العربي الجديد"، أن الحزب الشيوعي يريد أن يخضع كل شيء للقيم الماركسية بما في ذلك الأديان. 
وأشار إلى أن حياة المشاهير حافلة بالمغامرات العاطفية، وهو أمر ليس بالجديد أو الطارئ على عالم الفن، لكنه اعتبر الحادثة استجابة لخطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي دعا مطلع الشهر الماضي إلى إعادة تأهيل الشباب وحثهم على تعلم المبادئ الاشتراكية.
ولفت مارك لام إلى أن الزعيم الصيني الراحل ماو تسي تونغ، كان أول من حارب الفنون والمثقفين، حين اتخذ إجراءات مشابهة أثناء الثورة الثقافية التي اندلعت في منتصف ستينيات القرن الماضي، بحجة محاربة مظاهر الرأسمالية داخل الحزب الشيوعي.
من جهته قال أستاذ الإعلام السابق في جامعة تيانجين، سن زانغ، متحدثاً لـ "العربي الجديد"، إن الصين كثفت جهودها خلال الفترة الأخيرة، لضبط وتنظيم صناعة الترفيه في البلاد، وذلك بعد تسجيل مخالفات أخلاقية وقانونية من شأنها أن تزعزع النظام العام وتؤثر سلباً على أفراد المجتمع الصيني. وتابع، الكثير من الوكالات الخاصة بالمشاهير استغلت تطرّف المعجبين الذي وصل إلى حد العبادة، من أجل جني الأموال، وابتزاز الفتيات القاصرات واستغلالهن جنسياً، لذلك كان لا بد للحكومة أن تتدخل لوضع حد لهذه الانتهاكات.
وأشار إلى أن اعتقال شخصية مرموقة بين الشباب بحجم كريس وو، هو رسالة مفادها بأنه لا أحد فوق القانون، كما أن على المشاهير الآخرين أن يكونوا قدوة للشباب، بما يتوافق مع توجه الحزب نحو إنشاء مجتمع اشتراكي يتساوى فيه الجميع بالحقوق والواجبات.

الصين كثفت جهودها خلال الفترة الأخيرة، لضبط وتنظيم صناعة الترفيه في البلاد

وأضاف، من المؤسف أنه بعد اعتقال كريس، ظهرت تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تحاول اختلاق الأعذار لتبرئته، وهذا يؤكد حجم التأثير على فئة مضللة، وهو أمر غير مقبول بالنسبة للدولة لأنه يفترض أن السلطات تمارس التعسف في اعتقال الأشخاص، من هناك جاءت الحملة الحكومية لحذف تلك التعليقات والصفحات المشبوهة التي تغرر بالشباب وتغسل أدمغتهم.
لكن، في المقابل اعتبر محللون أن اعتقال كريس وو الذي يحمل الجنسية الكندية، يأتي في إطار المناكفات السياسية بين بكين وأوتاوا، وذلك بعد توتر العلاقات بين البلدين مطلع عام 2018، على خلفية احتجاز السلطات الكندية، المسؤولة المالية في شركة هواوي الصينية مينغ وان جو، في إطار تحقيق أميركي بشأن مزاعم بالتخطيط لاستخدام النظام المصرفي العالمي للالتفاف حول العقوبات الأميركية على إيران.

المساهمون