إعلام مودي: المسلمون شمّاعة لمصائب البلاد

08 يونيو 2022
استهدف المتطرفون المسلمات عبر الإنترنت (ياوار نزير/ Getty)
+ الخط -

علّق حزب بهاراتيا جاناتا الهندي، الأحد، عضوية المتحدثة باسمه نوبور شارما، بسبب تصريحاتها المسيئة للإسلام التي قال إنها "آراء مخالفة لموقفه". لكن، هل فعلاً لا تعبّر هذه التصريحات عن الحزب اليميني المتطرف وزعيمه رئيس الوزراء ناريندرا مودي؟

ازداد الاستقطاب الديني في الهند منذ وصول حزب بهاراتيا جاناتا إلى الحكم، وأُغرقت القنوات التلفزيونية والصحف ومنصات التواصل الاجتماعي بخطاب الكراهية ضد المسلمين من دون أي رادع. ولم تتوقف المسألة عند هذا الحد، إذ لم يتوان الحزب اليميني المتطرف الحاكم عن ملاحقة الصحافيين المسلمين، والنساء منهم تحديداً، لمجرد تأديتهم لعملهم.

"جهاد كورونا"

منذ انتشار وباء كوفيد-19، عمّت منصات التواصل الاجتماعي وسوم مثل "جهاد كورونا" و"بلهاء نظام الدين"، التي تتهم المسلمين بنشر الفيروس في البلاد. وألقت الحكومة الهندية، عام 2020، اللوم على اجتماع دعوي إسلامي بشأن زيادة الإصابات بفيروس كورونا، ما أدى إلى موجة من العنف ومقاطعة الأعمال وخطاب كراهية تجاه المسلمين.

كان نحو 8 آلاف شخص في جماعة التبليغ قد التقوا لمدة 3 أيام، في مارس/ آذار عام 2020، في مقر الجماعة في منطقة نظام الدين المزدحمة في نيودلهي، قبل وقت قصير من حظر التجمعات الكبيرة. وقال حينها المتحدث باسم الجماعة مجيب الرحمن إن مقر الجماعة ظل مفتوحاً، وأتاح لاحقاً مأوى للأشخاص الذين تقطعت بهم السبل في حظر استمر 21 يوماً فرضه رئيس الوزراء ناريندرا مودي في 24 مارس من العام نفسه. في اليوم الثاني من الإغلاق، اكتشفت مداهمة حكومية للمجمع أكبر مجموعة تفشي للفيروس في الهند. رفعت الشرطة قضية ضد بعض قادة الجماعة لانتهاكهم الحظر، وهي تهمة تنفيها الجماعة. وسجلت حينها الهند أكثر من 24500 إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، رُبط 20 في المائة منها بالاجتماع الدعوي، فضلاً عن 775 وفاة، وفق ما نقلت وكالة أسوشييتد برس.

وزاد الصدع الطائفي على نطاق واسع بسبب الادعاءات ضد الجماعة في الهند التي لا تزال متوترة بسبب أعمال شغب قاتلة بسبب قانون تجنيس يستبعد المسلمين. ونُقل عن سياسيين في حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الحاكم تصريحات في التلفزيون وفي صحف تصف حادثة الجماعة بأنها "إرهاب كورونا".

وبدأت الأخبار الكاذبة التي تستهدف المسلمين بالانتشار، بما في ذلك مقاطع مصورة يُزعم أنها تظهر أعضاء من الجماعة يبصقون على السلطات. وثبت بسرعة أن المقاطع مزيفة، لكن بحلول الأول من إبريل/ نيسان 2020، كان وسم "جهاد كورونا" رائجاً على موقع تويتر في الهند. وذكر السكرتير المشترك لوزارة الصحة الهندية لاف أغاروال، مراراً وتكراراً، الجماعة بالاسم في جلسات إفادة يومية. وفي الخامس من إبريل، قال إن عدد الإصابات بالفيروس قد تضاعف في 4 أيام فقط، وكان يمكن أن يكون أبطأ "لو لم تنشأ حالات إضافية بسبب اجتماع جماعة التبليغ".

في اليوم نفسه، قُتل بائع دجاج مسلم، وانتشر الذعر واللوم والوصم في جميع أنحاء الهند، في أعقاب اتهام جيرانه له في قرية بانجاره، في ولاية هيماشال براديش الجبلية، بمحاولة إصابتهم بالفيروس، لأنه أوصل عضوين من جماعة التبليغ إلى قريتهم على دراجته النارية.

خلال الفترة نفسها، نشرت صحيفة ذا هندو رسم كاريكاتور يظهر فيروس كورونا في لباس المسلمين التقليدي وهو يحمل بندقية ويوجهها نحو كوكب الأرض. بعد انتقادات كبيرة واجهها الكاريكاتور على شبكة الإنترنت، حذفته الصحيفة، ثم أعادت نشره متخلية عن لباس المسلمين التقليدي فيه.

الصحافية زينت إسكندر كتبت في الصحيفة الإلكترونية الهندية ذا برِنت حينها أن وسائل الإعلام الهندية "لا تمارس مهنة الصحافة"، بل "تستخدم كلمة الجهاد في حديثها عن أي مسألة، ويستغل المتعصبون هذا الأمر في استهداف المسلمين"، ووصفت ما يقوم به الإعلام الهندي بأنه "جهاد ضد المسلمين والإسلام في الهند". وأضافت إسكندر أن عام 2014 شكل لحظة فاصلة في الهند، لا لأن ناريندرا مودي أصبح رئيساً للوزراء بأغلبية مطلقة فقط، بل لأن وسائل الإعلام الهندية "تحولت من رسول الحقيقة إلى ضبع يلتهم فرائسه حية"، و"أصبحت تعمل كشركة علاقات عامة مهمتها تبييض صورة حزب بهاراتيا جاناتا وتسويقه على أنه المنقذ للهند".

هذا التحول في وسائل الإعلام الهندية سلط الضوء عليه أيضاً الصحافي ديبايسش روي تشاودري، في مايو/ أيار 2021، حين كانت تسجل البلاد أكثر من 20 مليون إصابة بكوفيد-19، إذ قال إن على وسائل الإعلام الخاضعة تحمّل مسؤوليتها أيضاً عن الأزمة الصحية في البلاد. وفي مقالة كتبها تشاودري لمجلة ذا تايم الأميركية حينها، أشار إلى أن ترويض الإعلام الهندي بدأ بصعود مودي إلى السلطة عام 2014. إذ أعيد تشكيل القيادات التحريرية لبعض المؤسسات الإخبارية الكبرى في الهند، وتحديداً شبكات التلفزيون، كذلك استبعد كبار المحررين الذين ينظر إليهم على أنهم أكثر ولاءً للرؤية الليبرالية للهند بدلاً من النظرة القومية الهندوسية لحزب بهاراتيا جاناتا، وألغيت القنوات الجديدة. وأفاد الصحافي بأن الحكومات الفيدرالية وحكومات المقاطعات في الهند تفرض سلطة هائلة على الشركات الإعلامية، بسبب ميزانياتها الضخمة للإعلان على مستوى الولاية والحزب.

أنفقت الحكومة الفيدرالية وحدها نحو 270 ألف دولار أميركي على الإعلانات يومياً في السنوات المالية من 2019 إلى 2020. وقال ديبايسش روي تشاودري إن مودي "حوّل بعض أكبر الأسماء في قطاع الأخبار في الهند من كلاب حراسة إلى كلاب خانعة". وقال ديبايسش روي تشاودري: "خلال العام الماضي (2020)، تخلت أقسام رئيسية من وسائل الإعلام الهندية عن مسؤوليتها الرقابية. رفضت مساءلة مودي، وسمحت له باستغلال كارثة وطنية في تعزيز صورته وتوطيد سلطته وقمع المعارضة. مثل مودي، خذلت وسائل الإعلام هذه الهند عندما كانت في أمس الحاجة إليها. الهنود والعالم الآن يلومون حكومة مودي لإسقاط الكرة في المعركة ضد كوفيد-19. وسائل الإعلام التي خضعت لحاكمي الهند مسؤولة بالقدر نفسه".

ملاحقة الصحافيين

اعتمدت السلطات الهندية عملية ترهيب ممنهجة بحق الصحافيين الذين ينقلون جانبا من الفظائع والانتهاكات التي تستهدف المسلمين في البلاد. إذ حظرت قنوات تمنح مساحة للمسلمين للتعبير عن القمع الذي يتعرضون له، ولاحقت الصحافيين المسلمين الذين يغطون انتهاكاتها، وسعت إلى تقييد حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وبينهم رنا أيوب. وقد أصدر خبراء حقوقيون مستقلون عينتهم الأمم المتحدة، في فبراير/ شباط الماضي، بياناً دعوا فيه السلطات الهندية إلى وقف المضايقات المنهجية ضد أيوب.

استهداف النساء والصحافيات

تصاعدت عمليات استهداف النساء في السنوات الأخيرة، وتحديداً مَن ينتقدن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي وحزبه الحاكم بهاراتيا جاناتا. وأبشع صور هذا الاستهداف ما حصل خلال العامين الماضيين. في يناير/ كانون الثاني الماضي، سجلت الشرطة في إقليمين في الهند حالات عرض أكثر من مائة امرأة مسلمة للبيع ونشر صورهن عن طريق تطبيق إلكتروني أُغلق منذ ذلك الوقت. وكان تطبيق وموقع على الإنترنت قد روجا معلومات عن أكثر من 80 امرأة مسلمة في يوليو/ تموز 2021، واستخدما صورهن. ولم تحدث أي عملية بيع في الحالتين، وكان هدف مطلقي المزاد إهانة النساء المسلمات. وتضمنت القائمة صحافيات، بينهن أيوب وعصمت أرا، وناشطات وممثلة حاصلة على جوائز، وأم أحد الشبان الذين فقدت آثارهم عام 2016.

المساهمون