إعلاميو اليمن: استهداف وتقصير في إجراءات السلامة

17 مارس 2021
"الاتحاد الدولي للصحافيين" رصد مقتل 44 صحافياً يمنياً من 2010 إلى 2020 (عبد الناصر الصديق/
+ الخط -

دفعت المعارك المتجددة في محافظة تعز اليمنية، بعد سنوات من الجمود، عشرات الإعلاميين جماعياً إلى خطوط النار، لنقل الوقائع من جبهات قتال فتكت سابقاً بعدد من زملائهم، وسط تجاهل شبه تام لإجراءات السلامة المهنية. وشكلّت خطوط القتال الأمامية بين القوات الحكومية والحوثيين، غربي تعز، ميداناً للتباري بين عشرات المراسلين والمصورين الذين يخاطرون بحياتهم لالتقاط مشاهد حية، تلبية لاحتياجات وسائل إعلامية يعملون لها، كما يعرضون نماذج منها على حساباتهم في تطبيقات التواصل الاجتماعي.

ورغم أن المعركة لم تشهد مواجهات دامية، كما هو حاصل في معارك مأرب شرقي البلاد، إلا أن اللقطات التي ينشرها الإعلاميون تباعاً على منصات التواصل الاجتماعي تُظهر أن غالبيتهم لا يلتزمون بإجراءات السلامة المهنية، ولا يرتدون الدروع الواقية من الرصاص والخوذات البالستية التي ينصح بها "الاتحاد الدولي للصحافيين". وخلال اليومين الماضيين، أعلنت قناة "يمن شباب"، وهي فضائية يمنية تبث من تركيا، أن طاقمها نجا من محاولة قنص نفّذتها مليشيا الحوثي في منطقة القشعة في جبهة مقبنة، أثناء تغطية المعارك. وأظهر المقطع المصوّر الذي نشرته القناة وجود المراسل التلفزيوني إلى جانب عدد من المقاتلين في القوات الحكومية، وعدم ارتداء أي أدوات سلامة، من خوذة رأس أو درع واقٍ للرصاص. 

ثمن فادح
دفع الإعلاميون في اليمن ثمناً فادحاً في النزاع الممتد منذ مارس/ آذار عام 2015 وحتى الآن. ووفقاً لتقارير أممية، سجلت 29 جريمة قتل ضد صحافيين خلال 6 سنوات، فيما يقول "الاتحاد الدولي للصحافيين" إنه رصد مقتل 44 صحافياً يمنياً منذ 2010 وحتى نهاية 2020. وقال مراسل تلفزيوني، شارك في تغطية معارك جبهات تعز في اليومين الماضيين، إن غالبية الإعلاميين في ساحة المعركة لا يرتدون أدوات سلامة مهنية، باستثناء 4 فقط. ورغم ارتداء بدلات الحماية، أشار إلى أنهم تعرضوا لحصار من قناصة حوثيين حاولوا استهدافهم، وهو ما جعلهم يغيّرون من اتجاه سيرهم ويقطعون مسافات طويلة على الأقدام للابتعاد عن مرماه. وتشكّل جبهات القتال "موسماً للرزق" بالنسبة إلى مصوّري الوكالات العالمية ومكاتب الخدمات الإعلامية التي تبيع المشاهد للقنوات العربية والدولية، لكنهم يجازفون بالذهاب من دون ارتداء الدروع الواقية، وكذلك دمن ون حصولهم على تأمين في حال تعرضهم لأي مخاطر. 

عدم التقيّد بإجراءات السلامة خلال التغطية له آثار جسيمة

ونظراً لارتفاع أسعار أدوات السلامة المهنية الرسمية التي تصل إلى 500 دولار أميركي، لجأ البعض إلى شراء دروع واقية من قيادات عسكرية تقدمها وزارة الدفاع للضباط البارزين في خطوط النار. واشترى المصورون دروع الحماية العسكرية بمبالغ مالية تصل إلى 100 ألف ريال يمني (115 دولاراً)، حتى لا يكونوا عرضة للاستهداف بشكل أكبر من القناصة في حال ظهورهم بدروع عسكرية، يلجأون إلى إخفاء لونها الرسمي بتغليفها بقماش من اللون الأزرق الخاص بالصحافيين. 

ولا تمنح الخوذة الزرقاء الإعلاميين في اليمن فرصاً دائمة للنجاة. وقال مصوّر حربي شارك في تغطية عدد من المعارك في الحديدة ومناطق غرب تعز، إنه تعرض لحصار من قناص حوثي لساعات رغم أنه كان يحمل كاميرا ويرتدي الدرع الأزرق. كان القناص الحوثي يسعى للقبض عليه، كما يحصل غالباً عندما يقبض على صحافيين يدرجون مستقبلاً في صفقات تبادل كأسرى حرب، لكنه نجا بعد أن قدمت قوات لفك الحصار عنه بعد مهاجمة القناص.

إعلام وحريات
التحديثات الحية

وانتقدت مؤسسات إعلامية المغامرات التي يخوضها الصحافيون في اليمن، قائلةً إنه في غالبية وقائع الشروع في القتل التي طاولتهم منذ 2015 تبيّن أنهم لم يتبعوا طرق السلامة المهنية أثناء تأدية عملهم في الأوضاع الخطرة، ويذهبون لتغطية الأحداث من دون تخطيط وإعداد مسبق. من جهتها، استهجنت "مؤسسة منصة للإعلام"، وهي منظمة يمنية خاصة، قيام وسائل الإعلام بالزج بالصحافيين الشباب أو المبتدئين وغير المدربين لتغطية أحداث الصراعات وارتكاب أخطاء فظيعة قد تودي بحياة مراسلها أو مصورها، فضلاً عن عدم وجود نظام التأمين على الحياة من قبل وسائل الإعلام لمنتسبيها. 

ضرورة امتلاك معدات الحماية الشخصية، فضلاً عن تعليمات مسافات الأمان، وخصوصاً بعد اكتشاف منظمات ومؤسسات إعلامية أن الحوادث التي طاولت صحافيين بيّنت أنهم يضعون أنفسهم في أماكن خاطئة وتجمعات لمقاتلين

إرشادات لا تنفّذ
بعد سقوط عدد من الصحافيين والمصورين جرحى أو قتلى، أصدر "الاتحاد الدولي للصحافيين" دليلاً إرشادياً للإعلاميين في اليمن، يتضمّن أفضل الإجراءات التي يجب اتباعها في مناطق النزاع لتجنّب المواقف الخطيرة والتخفيف من وطأتها، كما موّل سلسلة من الدورات الخاصة بالسلامة المهنية في محافظات يمنية مختلفة، لكن صحافيين يقولون إنها لم تشمل الجميع. 
ركّزت الإرشادات على ضرورة امتلاك معدات الحماية الشخصية، وهي الدرع الواقي للجسم وخوذة بالستية، فضلاً عن تعليمات مسافات الأمان، وخصوصاً بعد اكتشاف منظمات ومؤسسات إعلامية أن الحوادث التي طاولت صحافيين بيّنت أنهم يضعون أنفسهم في أماكن خاطئة وتجمعات لمقاتلين. ودعا الدليل الإرشادي الصحافيين اليمنيين إلى الالتزام بمسافة أمان 50 متراً بالنسبة لسلاح المسدسات، و300 متر بالنسبة للبنادق، أو 600 متر إذا كان هناك أكثر من شخصين يطلقون النار عليك، أما بندقية القناصة فمسافة الأمان لها تراوح من 800 إلى 2000 متر.

وبالنسبة للقذائف الصاروخية التي حصدت أرواح عدد من الإعلاميين في اليمن، يدعو الاتحاد إلى الابتعاد عنها 100 متر والبعد 360 درجة عن الأسلحة، وفي سلاح المدفعية ينصح بالبعد 16 كم، وفي الغارات الجوية، حثّ الدليل على مراقبة احتمالية حدوث غارات من خلال وجود دخان المحرك النفاث للطائرة والانتباه لصوتها، وعدم الوجود في مناطق مفتوحة وعدم التمركز بالقرب من الأهداف الاستراتيجية للقوات العسكرية المعارضة. 

"الاتحاد الدولي للصحافيين" رصد مقتل 44 صحافياً يمنياً منذ 2010 وحتى نهاية 2020

الحياة أهم من السبق
من جانبه، ينصح الأمين العام لنقابة الصحافيين اليمنيين، محمد شبيطة، العاملين في مناطق الصراع بعدم الاندفاع، مشدداً على أن من واجب الصحافي أن يحتاط من مناطق الخطر لهثاً خلف السبق، فالحياة أهم من أي صورة أو خبر. وقال شبيطة لـ"العربي الجديد" إن خبراء الإعلام الدوليين يقولون إن الصحافي إذا شعر بالخطر، حتى بنسبة 10 بالمائة، فعليه ألا يغامر أبداً، وعدم الدخول إلى مناطق نزاع، كونه معرضاً للتهديد ما لم يكن يمتلك أي وسائل سلامة، مثل الدروع والخوذات، فضلاً عن معرفة وسائل الإسعافات الأولية. وأعرب النقابي اليمني عن أسفه من اندفاع بعض الإعلاميين إلى خطوط التماس دون استشعار للمخاطر، لافتاً إلى أن ذلك خطأ جسيم تشارك فيه المؤسسات الإعلامية المختلفة التي لا تقوم بتوفير أدوات السلامة المهنية لطواقمها. وفيما أشار إلى أن النقابة نظمت بالتعاون مع الاتحاد الدولي عدة دورات في هذا الشأن داخل اليمن، قال إن مدينة تعز حُرمت خلال السنوات الماضية من بعضها جراء الوضع الأمني الذي لم يكن يسمح بتنظيمها، كما وعد بتنظيم دورات مستقبلية.

دلالات
المساهمون