إسرائيل كإنفلونسر متنمّر حد إنكار الحقيقة

23 أكتوبر 2023
من تظاهرة تضامنية في نيويورك (الأناضول)
+ الخط -

لا أحد يصدق أن الصفحة الرسمية لدولة تمتلك أحدث تقنيات المراقبة والتنصت، ولديها سطوة هائلة على عدد كبير من وسائل الإعلام الغربيّة، يمكن أن تتحول إلى مجرّد إنفلونسر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي. إنفلونسر متنمّر ومستفزّ، يستهدف الأشخاص بناء على عدد متابعيهم. لكن هذا حال صفحة إسرائيل الرسميّة على وسائل التواصل الاجتماعي، والناطق باسم جيش الاحتلال، أفيخاي أدرعي. 
نستخدم كلمة إنفلونسر لأن هذه الصفحات والشخصيات "الرسميّة"، لا تكتفي بنقل الأخبار الرسميّة، بل تدخل في مناوشات، وأحياناً اتهام شخصيات علنيّة تضامنت مع غزة، إلى حد الشكّ بأن هذه الصفحات أحياناً مقرصنة. لكن هنا المفارقة، هناك خوف على السردية الإسرائيلية، إلى حد مهاجمة والرد على كل شخص ذي صوت مسموع. وكأننا أمام شخص في مركب مليء بالفتحات، يحاول سدّها من دون جدوى. 
على سبيل المثال، ردّت صحفة إسرائيل الرسميّة على عارضة الأزياء الفلسطينية-الأميركية، جيجي حديد، المعروفة بمواقفها المناهضة لإسرائيل، والداعمة للقضية الفلسطينية. استعرضت صفحة إسرائيل صور ضحايا رداً عليها. رد كهذا، خال من المنطق، ليس سوى استعراض مجاني للموت، ويبدو مريباً حين نراه من صفحة تمثل "دولة". في ذات الوقت، قام إفيخاي أدرعي، الناطق باسم جيش الاحتلال، بالرد على تغريدة للمغنية أنغام، مبشراً إياها بـ"العذاب الأليم" في الآخرة. هناك نوع من اللاجديّة في هذه المنشورات والردود، خصوصاً أن بلاغة الموت تكفي في بعض الأحيان. لكن لا، هناك حرب تشن على وسائل التواصل الاجتماعي، وإسرائيل تتصدرها بصفحاتها الرسميّة، ليس فقط عبر المؤثرين والأنصار.
هذه الرغبة بالحشد، تمس قطاعات تبدو أحياناً مثيرة للتساؤل. ماذا يعني مثلاً أن تشارك صفحة إسرائيل الرسميّة  صورة الحارس الشخصي الخاص بتايلور سويفت، كونه ترك عمله وعاد إلى تل أبيب للانضمام إلى صفوف جيش الدفاع الإسرائيلي. هذا خبر لا يثير خوف أحد. هناك آلاف الجنود الإسرائيليين. لكن، وهنا المفارقة الثانيّة، هي محاولة لمخاطبة "الجمهور" والأهم، "اللاجمهور"؛ أي تلك الفئة التي لا يمسها الحدث مباشرة ولا تعلم سياقاته، لكنهم واعون لما يحصل في اللحظة الراهنة، وهنا تأتي قيمة مخاطبتهم. 
اللاجمهور (audience of none) صفة ممكن أن تنطبق على أي فئة من البشر لا تمسها قضية ما بصورة مباشرة، بل يكتفون بما يسمعونه هنا وهناك. ومتابعو تايلور سويفت، مثلاً، أشبه بـ"جيش"، ومخاطبتهم، ولو بمنشور قد يبدو من دون أهمية، هي محاولة لاستمالة الفئة الأبعد، والأقل اهتماماً واطلاعاً، عبر الوسيط الأكثر انتشاراً، وهو وسائل التواصل الاجتماعي ونجومها.
لا يمكن إنكار الحرب الإعلامية التي تدور حالياً، لكن هذا الشكل من المنشورات الرسميّة، يعيد إلى الذاكرة ما يمكن تسميته بـ"تأثير ترامب"، الذي كان لا يتردد في التغريد ضد كل من ينتقده، سواء كان شخصية شهيرة أو رسميّة. هذا الأثر يمكن تلمسه في آلاف التعليقات تحت المنشورات من هذا النوع، أولئك الذين لا نعرفهم، ولا يمكن مخاطبتهم إلا عبر شخص يهتمون به.

سوشيال ميديا
التحديثات الحية

اللاجمهور، إذن، قوّة لا يمكن رصدها بدقة، لكن لا بد من مخاطبتها ولو عنى ذلك مشاركة Screenshots من محادثة واتساب، كما فعلت الصفحة الرسمية لإسرائيل على إنستغرام. الأشكال المتعددة للخطاب هنا، هي محاولات لجذب انتباه أي متابع أو أي أحد عبر ربط ما يحصل، بما يمسّه شخصياً، وفي بعض الحالات يصل الأمر إلى تايلور سويفت. 
لا توفر ماكينة البروباغندا الإسرائيلية وسيلة لتدفع سرديتها و"حقيقتها" من الآيات القرآنية حتى تايلور سويفت، ولو عنى ذلك تحول الصفحات الرسميّة والناطقين الرسميين إلى مجرّد مؤثرين، يتصيدون كل من يتضامن مع غزة والشعب الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، والاشتباك معه، سواء بالتهديد أو السخرية أو استعراض الضحايا، وهذا بالضبط ما يعكسه خطاب الصفحة الرسمية لإسرائيل وأفيخاي أدرعي. نحن أمام  ملاحقة للترند، وغيرها من التقنيات التي لا تستخدم الحجة، بل الاستفزاز العاطفي.

المساهمون