- الوصول إلى الأرشيفات الشخصية والعامة يشكل تحديًا، خاصة في العالم العربي، لكن بعض السينمائيين مثل كمال الجعفري ويوسف السروجي يتغلبون على هذه العقبات لخلق أفلام ذات حساسيات مختلفة.
- ليس كل أرشيف قابل للتحويل إلى فيلم سينمائي؛ العملية تتطلب نصًا، رؤية، وهدفًا واضحًا لتحويل المواد الأرشيفية إلى بصريات فنية تنفتح على بيئات وفئات بشرية متنوعة.
كلّ فيلم وثائقي جديد، يُنجَز بتوليف صُور فوتوغرافية وتسجيلات بصرية وسمعية قديمة، يُثير سؤالاً أساسياً: أيُصنع من أرشيفٍ كهذا فيلمٌ سينمائي؟ الأهمّ من الأرشيف كامنٌ في النصّ البصري المنوي إنجازه.
أمثلةٌ تؤكّد هذا: الأوكراني سيرغي لوزنيتسا، والبريطاني أسيف كاباديا، والأسترالي ريتشارد لوانستَين. هناك آخرون وأخريات، لكنّ أفلاماً لهؤلاء أمثلةٌ، وتجربة كلٍّ منهم تؤكّد المُتداول: كَمٌّ هائلٌ من أرشيفات قديمة، شخصية وعامّة، تتحوّل في غرف المونتاج إلى أفلامٍ باهرة، انطلاقاً من نواة تكون أساس المُنجز السينمائي.
مثلٌ أول: "المحاكمة" (2018) للوزنيتسا. تسجيلات مُصوّرة عن محاكمة علماء ورجال اقتصاد، عام 1930، بتهمة "محاولة تخريب الاقتصاد السوفييتي"، بحسب "ادّعاءات" النظام الحاكم بقيادة جوزف ستالين. مثلٌ ثان: "دييغو مارادونا" (2019) لكاباديا. أرشيفٌ متنوّع عن لاعب كرة القدم الأرجنتيني، في فترة انتسابه إلى فريق "نابولي" الإيطالي (1984 ـ 1991)، مع لمحات متفرّقة من طفولة وشبابٍ أول، وبعض اللاحق على تلك الفترة. مثلٌ ثالث: "أسطرة مايكل هاتشنس" (2019) للوانستَين: سرد حكاية المغنّي والمؤلّف الموسيقي الأسترالي ("الفرقة الأسترالية INXS")، المُنتحر في 22 نوفمبر/تشرين الثاني 1997. السرد يستند إلى أرشيف خاصٍ، ولقاءات مُصوّرة معروفة جماهيرياً.
عربياً، يندر "السماح" بالاطّلاع على أرشيفٍ رسمي، للبحث في موضوع أو حالة أو شخصية. الأرشيف الشخصي "أسهل"، خاصةً إنْ يكن للمخرج ـ المخرجة ارتباط عائلي بأصحاب الموضوع ـ الحالة، أو بالشخصية نفسها. المسائل العامة مفتوحة، لكنْ قليلاً. المخرج الفلسطيني كمال الجعفري أحد السينمائيين العرب المهتمّين بتحويل بعض الأرشيف إلى مُنجز سينمائي. جديده "الفيلم عمل فدائي" (2024) دليلٌ سينمائي على ذلك (قراءته نقدياً في مقالة لاحقة). للفلسطيني يوسف السروجي تجربة في هذا، فـ"الوعود الثلاثة" (2023) مرتكز على أشرطة فيديو منزلية، مُصوّرة في مناسبات عائلية وعامة (انتفاضة الأقصى). الفيلمان يمتلكان حساسيات مختلفة، سينمائية وذاتية واجتماعية وانفعالية.
العثور على أرشيفٍ دافعٌ إلى إنجاز أفلامٍ، غير وثائقية كلّياً، لكنّها في الوقت نفسه غير روائية أيضاً. هذا لا يعني أنّ كلّ ما يُعثَر عليه صالحٌ لجعله فيلماً. ومع أنّ غرفة المونتاج، في حالةٍ كهذه، تصنع فيلماً من ذاك الأرشيف، أو من بعضه غالباً، يحتاج المشروع إلى نصٍّ ورؤية وهدفٍ، تكون كلّها ركيزة أساسية للمُنجز السينمائي. هذا كلام مُكرّر، لكنّه مطلوبٌ. هذا موجودٌ في الأمثلة السابقة، وفي غيرها أيضاً.
يُمكن أنْ يكون الأرشيف عامّاً، أي أنّه يتعلّق بدولةٍ أو مؤسّسة أو جماعة، أو أنْ يكون فردياً بحتاً، وإنْ عبر جماعةٍ صغيرة ترتبط مباشرة بالفرد وعائلته. في هذا، كمٌّ هائلٌ من الحكايات، بعضها ذاتي ـ شخصي، يُحتمَل أنْ ينفتح على بيئة وفئات بشرية واجتماع وبلدٍ، وأنْ يمتد في التاريخ إلى أعوامٍ مديدة. لكنّ احتمالاً كهذا غير دائم وغير ثابت، فالكمّ الهائل من الأرشيف، وجزءٌ منه يتمثّل بمستندات ورسائل وكتاباتٍ مخبّأة في ذاكرة أو ماضٍ، غير مهيّأ دائماً للتحوّل إلى بصريّات فنية، لأنّ التحوّل يحتاج إلى ركائز أخرى، كتابة السيناريو أُولاها، أو على الأقلّ تحديد رؤية وهدف.