أيام الموت غير العادي تترصد الصحافيين السودانيين

07 يونيو 2024
نقيب الصحافيين السودانيين عبد المنعم أبو إدريس، 29 أغسطس 2022 (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- في حادثة مأساوية بقرية ود النورة، السودان، قتل الصحافي مكاوي محمد أحمد والعشرات من الأهالي على يد قوات الدعم السريع، مما أثار الرعب والحزن في المجتمعين السوداني والدولي.
- الصراع في السودان منذ 15 إبريل 2023 أدى لموجة عنف ضد الصحافيين، فقد العديد منهم حياتهم أو وظائفهم، وتعرضوا للنزوح، مثل هدى حامد إبراهيم التي توفيت بلدغة ثعبان بعد فقدان وظيفتها.
- نقابة الصحافيين السودانيين وثقت 400 انتهاك بحق الصحافيين، بما في ذلك ستة حوادث قتل خلال العام الأول من الحرب، مما يعكس تدهور حرية الصحافة ويدعو للعمل الدولي لحمايتهم.
اغتالت قوات الدعم السريع، الأربعاء الماضي، الصحافي السوداني مكاوي محمد أحمد، وذلك في المجزرة المروعة التي ارتكبتها وأودت بحياة العشرات في قرية ود النورة في ولاية الجزيرة، وسط السودان، بحسب ما كشفت مصادر لـ"العربي الجديد". وروت المصادر أن "قوات الدعم السريع حشدت عشرات المركبات القتالية، وحاصرت القرية الواقعة في محلية القرشي، على الحدود مع ولاية النيل الأبيض، ساعات عدة منذ الصباح، ثم أطلقت النار بكثافة من الأسلحة الخفيفة والثقيلة قبل اقتحام القرية، ما أدى إلى مقتل العديد من أهالي القرية، بينهم صحافي وشقيقه". وأشارت تقارير محلية إلى أن عدد القتلى وصل إلى 80 شخصاً، فيما قال حزب الأمة القومي إن ما يزيد على مائة قتيل سقطوا جراء الهجوم، ولم يتسنّ حصر الجرحى. وجاء اغتيال أحمد بعد أقل من 24 ساعة على اغتيال زميله معاوية عبد الرازق في ضاحية الدروشاب، شماليّ الخرطوم، على يد قوات الدعم السريع أيضاً، ودانت نقابة الصحافيين السودانيين مواصلة قوات الدعم السريع هجومها على القرى الآمنة، ودعت أطراف الحرب والمؤسسات الإقليمية والدولية إلى المسارعة إلى وضع حد للمأساة في السودان.
وعلى هذا المنوال، تلاحق المآسي الصحافيين السودانيين منذ اندلاع الصراع في البلاد في 15 إبريل/ نيسان 2023، بين الجيش النظامي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي).
هدى حامد إبراهيم كانت تعمل صحافية وموظفة في جامعة الخرطوم، لكنها خسرت الوظيفتين مباشرة بعد بدء الصراع، وقضت شهوراً بلا ماء ولا كهرباء ولا شبكة اتصالات، داخل منزلها في ضاحية الحاج يوسف شرقيّ العاصمة. عندئذ، كتبت على حسابها في "فيسبوك"، تطلب المساعدة حتى تخرج من الخرطوم، ومعها ابنتها الوحيدة: "أصدقائي الفزعة، هدى حامد صحافية اضطرتها الظروف والأمل والتفاؤل للبقاء في الخرطوم المنكوبة بالحرب وديمومتها لأكثر من عام، وذلك بسبب الظروف المادية وتفاؤلاً بوقف هذه الحرب. أرجو دعمي للخروج حيث أجد مصدر دخل يقيني الحاجة بحثاً عن مستقبل ابنتي الوحيدة، حيث أقيم هنا من دون مال أو عمل أو خدمة مياه وكهرباء... اضطررت لمناشدتكم بعد الله تعالى لمساعدتي ودعمي". وقبل أن يستجيب لها أحد، جاء خبر وفاتها بلدغة ثعبان. قبل وفاتها، كتبت منشوراً تضامنت فيه مع زميلها صديق دلاي، المعتقل لدى الاستخبارات العسكرية في مدينة الدمازين، جنوب شرقيّ البلاد، وذلك على خلفية مقال نشره عبر "فيسبوك" ووزعه على مجموعات "واتساب"، يتهم فيه الاستخبارات العسكرية بالتورط في مقتل محامٍ في مدينة العزازي في ولاية الجزيرة.
زميلتها منال بسطاوي قُتلت وابنتها قبلها بنحو أسبوعين، بحادث لحافلة ركاب في مدينة أم درمان.
وما واجهه دلاي لاقاه زميله مستشار تحرير صحيفة الأهرام اليوم طارق عبد الله، فقد اختطفته قوات الدعم السريع، من دون إعلان أسباب ذلك، ودون إعلان مكان وجوده. وكان عبد الله قد رفض الخروج من الخرطوم من بين نحو مائة صحافي اختاروا البقاء في منازلهم، إما لمواصلة عملهم، وما أقلهم، أو نتيجة للظروف المالية التي تحرمهم دفع تكاليف رحلة نحو مدينة آمنة.

400 انتهاك بحق الصحافيين السودانيين

أشارت نقابة الصحافيين السودانيين، في آخر بياناتها، إلى أن "حملة الأقلام لم يكونوا بدعاً من أولئك الذين لاقوا رهقاً من الحرب الطاحنة وويلاتها، إذ واجهوا أوضاعاً وظروفاً تكاد تكون الأسوأ على الإطلاق طوال مسيرة الصحافة في السودان الممتدة لما يزيد على القرن". ولفتت إلى أن الصحافيين السودانيين يتعرضون لشتى أنواع الانتهاكات التي وثقت 400 منها، من بينها ستة حوادث قتل خلال العام الأول من الحرب. وأفادت النقابة بأن العنف الموجه ضد المدنيين عموماً والصحافيين خصوصاً أدى إلى تقلّص أعداد الموجودين منهم في المدن والولايات التي شهدت مواجهات، إذ اضطروا إلى النزوح أو اللجوء. 
وتكشف سكرتيرة الحريات في نقابة الصحافيين السودانيين، إيمان فضل السيد، لـ"العربي الجديد"، مزيداً من الأرقام الصادمة المتعلقة بما يواجهه ممارسو هذه المهنة. بينت السيد أن معظم الصحافيين هجروا المهنة، وأن المؤسسات الصحافية لم تسدد رواتب موظفيها منذ بدء القتال، وأن 26 صحيفة ورقية توقفت تماماً عن العمل، ومعها عشر محطات إذاعية على المستوى المركزي، وسبع محطات إذاعية على المستوى الولائي، عادت منها اثنتان للعمل، لكن بشكل متذبذب. أما القنوات والإذاعات التي لم تتوقف عن العمل، فتعكس جهة نظر واحدة، وتثير خطابات الحرب والتحريض عليها.
تضيف السيد أن مائة منزل من منازل الصحافيين السودانيين تعرضت للقصف المدفعي والنهب والسرقة، وتعرضت أسرهم للاعتداء أو القتل أو الموت بظروف مختلفة. كذلك اعتُقل 39 صحافياً، منهم خمس صحافيات، فيما أُصيب 108 صحافيين في أثناء القتال، وبعضهم بحوادث إطلاق نار مباشرة، بالإضافة إلى تعرّض صحافية واحدة لتحرش جنسي داخل منزلها من قبل أفراد في قوات الدعم السريع في أم درمان. كذلك تعرض 37 صحافياً، بينهم تسع صحافيات، للتهديد الشخصي عبر مكالمات هاتفية مجهولة أو عبر رسائل نصية أو رسائل عبر "واتساب". ووجهت تهديدات أخرى للمؤسسات الإعلامية، أو للمجموعات الصحافية لعملها في النقابة، كذلك صدرت قرارات بملاحقة قانونية لصحافيين ودعوة المواطنين للقبض عليهم، إضافة إلى حملات إعلامية استهدفت نقيب الصحافيين عبد المنعم أبو إدريس وآخرين.
وتفيد سكرتيرة الحريات في نقابة الصحافيين بأن 28 مؤسسة إعلامية تعرضت للاعتداء، وحولت في أثناء الحرب إلى ثكنات عسكرية، مع العبث بأجهزتها أو نهبها وبيعها في الأسواق. وتعهدت بمضاعفة النقابة لجهدها في رصد الانتهاكات والتصدي لها، وفي مساعدة الصحافيين في إيجاد فرص عمل حتى يواصلوا عملهم في عكس الحقائق للرأي العام.

"حرب منزوعة الذاكرة"

يصف رئيس جمعية الصحافة الإلكترونية في السودان، عبد الباقي جبارة، ما يتعرض له الصحافيون والصحافيات بـ"شديد الخطورة"، موضحاً أن العشرات من الصحافيين السودانيين يتعرضون لانتهاكات يومية. ويضيف عبد الباقي جبارة لـ"العربي الجديد" أن "الحديث عن الحريات أصبح في السودان نوعاً من الرفاهية، لأن التعدي على الحريات الشخصية، وانتهاك الخصوصية من قبل جميع القوات المتحاربة صار أمراً معتاداً، من دون أن ننسى التطرق إلى فقدان الصحافيين جميع ممتلكاتهم واحتلال منازلهم". ويشير إلى أن ما رصد من انتهاكات بحق الصحافيين السودانيين وسائر المدنيين "ليس إلا قمة جبل الجليد، وما خفي أعظم بكثير"، واصفاً الحرب في بلاده بأنها "حرب منزوعة الذاكرة بسبب حرمان الإعلام لعب دوره الأساسي". ويذكر أن الصحافيين السودانيين لا يجدون أصواتاً عالمية مساندة لهم، مشيراً إلى أن نقابة الصحافيين نفسها تتعرض للتضييق ولا تحصل على اعتراف من الحكومة.

تجديد العهد مع أساليب الرقابة

وفي سياق متصل، أصدرت منظمة مراسلون بلا حدود تصنيفها لحرية الصحافة لعام 2024 في مايو/أيار الماضي، واحتلت السودان المرتبة الـ149 من أصل 180 بلداً. ولفتت المنظمة إلى أنه "عقب الانقلاب العسكري ليوم 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، جددت البلاد العهد مع أساليب الرقابة وأشكال التحكم في المعلومات، كما تفاقم مناخ انعدام الأمن بالنسبة للصحافيين. فمنذ اندلاع الصراع في 15 إبريل/نيسان 2023، بين الجيش النظامي بقيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان والقوات شبه العسكرية التابعة لقوات الدعم السريع بقيادة الفريق أول حميدتي، تزايدت بشكل حاد التهديدات والاعتداءات والانتهاكات ضد الصحافيين، ما دفع الكثير منهم للجوء إلى الدول المجاورة". وأكدت أنه "في السنوات الأخيرة، تزايدت وتيرة التهديدات التي تطاول الصحافيين، مع ظهور مليشيات وحركات مسلحة جديدة، إذ يتعرضون خلال التظاهرات للاعتداء والإهانة من قبل الجيش النظامي أو قوات الدعم السريع بشكل منهجي، بل ويصل الأمر إلى حد الاعتقال والتعذيب في بعض الحالات. أما الفاعلون الإعلاميون الذين ينتقدون السلطات أو ينشرون وثائق من شأنها أن تضع الحكومة في مواقف حرجة، فإنهم يخضعون للتجسس والتنصت. والصحافيات يُستهدفن بشكل خاص بأساليب الترهيب والتهديد والأعمال الانتقامية، علماً أن جرائم المُعادين لحرية الصحافة تمر في إفلات تام من العقاب، وذلك تحت حماية السلطات".
المساهمون