أولو جامع... العمارة العثمانية في وسط بورصة

13 ابريل 2022
جامع بعشرين قبة (الأناضول)
+ الخط -

يعتبر أولو جامع (الجامع الكبير) تجسيداً لأقدم أنماط العمارة العثمانية في الأناضول، حيث شُيّد بأمر السلطان بايزيد الأول (1389 ــ 1403)، الملقب بـ"الصاعقة"، في مدينة بورصة التي كانت عاصمة الدولة العثمانية قبل فتح القسطنطينية. شيّد الجامع على الطراز السلجوقي، قبل أن تتأثر الأبنية بالعمارة البيزنطية، وبقي منذ القرن 14 خامس أهم الجوامع في العالم بعد الحرمين الشريفين والمسجدين الأقصى والأموي، فكان يدرِّس فيه العلماء، ويذهب إليه الطلاب لتلقي العلوم الشرعية.  
في شهر رمضان من هذا العام تزين أولو جامع لاستقبال الزائرين من كل مكان، خصوصاً في صلاة التراويح، فشهد عمليات صيانة وتنظيف وغسل جدرانه بماء الورد، كما عُلّقت الزينة الكهربائية المشهورة باسم "أضواء المحيا" بين منارتيه.

أمر السلطان بايزيد الأول سنة 1391 بإنشاء جامع باسمه، فكان له ما أراد سنة 1395، بعد ذلك بوقت وجيز تحالفت 15 مملكة وإمارة أوروبية للقضاء على دولة بايزيد، فكان عليه مواجهة جيوش هذا التحالف في معركة فاصلة على حدود مدينة نيقوبوليس البلغارية. وحين احتدمت المعارك نذر السلطان أن يبني عشرين جامعاً بأموال الغنائم إذا كتب له النصر. لكن بعد إعلان الانتصار رأى صعوبة الوفاء بهذا النذر، فأخرج المشايخ له حيلة فقهية بأن يبني مسجداً واحداً ولكن بعشرين قبة، لأن الأتراك يطلقون على المسجد لفظ قبة. هكذا جاء تصميم الجامع العظيم ذو القباب العشرين والمئذنتين.  
ولعل رمزية أولو جامع باعتباره علامة على انتصار بايزيد على جيوش أوروبا هي التي دفعت تيمورلنك إلى إحراقه بعد دخوله بورصة سنة 1402. وكان القائد المغولي قد غزا الأناضول في ذلك العام وانتصر على بايزيد في معركة أنقرة، حين وقع السلطان بايزيد في الأسر، ثم مات عام 1403.

يملك الجامع 20 قبة (Getty)

هناك اختلاف حول المعماري الذي قام بتصميم هذا الجامع، فأحياناً يقال إنه علي نجار وأحياناً يقال إنه حاجي إيواز باشا. وهو مشيد على نمط هندسي يسمى نمط بورصة أو حرف T مقلوباً، وتبلغ مساحته 5000 متر مربع، أما ساحة الصلاة فتبلغ مساحتها حوالي 3800 متر مربع، بطول 56 متراً وعرض 68 متراً. ويضم المسجد 26 نافذة منخفضة و32 نافذة مرتفعة، وكل قبة من القباب ترتفع على أربعة أعمدة، بمجموع 12 عموداً، وتوجد في وسط الجامع نافورة كبيرة وتعلوه قبة مفتوحة بغرض الإضاءة والتهوية. 
لكن أعيد تصميم هذه القبة المتوسطة أخيراً من الزجاج لكي تحمي المسجد من الغبار والأمطار والثلوج. كذلك توجد في خارج المسجد منارتان كبيرتان باتجاه الباب الغربي المطل على السوق الكبير.

تضرّر الجامع مرات عدة بسبب الزلازل، أبرزها زلزال 1855 الذي بلغت قوته 7.5 درجات على مقياس ريختر، وأسفر عن سقوط معظم القباب، لكن أعيد ترميمه وبناؤه على النمط الأصلي في عصر السلطان عبد المجيد الأول، وقد افتتح المسجد مرة أخرى في 1862. وكانت آخر عملية ترميم كبيرة احتاج إليها الجامع في 1959، ولا يزال صامداً حتى اليوم، وقد وضعت على بابه الرئيسي كتابات بارزة بالخط العثماني "في عام 804 بأمر من يلدرم خان ابن مراد خان"، أي أن الجامع أنشئ بأمر من السلطان يلدرم بيازيد.

الجامع من الداخل (Getty)

يحظى الجامع بشهرة كبيرة باعتباره متحفاً فنياً مفتوحاً للخط العربي، فجدرانه تضم 192 لوحة كتبت بواسطة 41 خطاطاً بأنواع خط مختلفة، منها 87 لوحة مكتوبة على الجدران مباشرة، والباقي لوحات معلقة على الجدران.  
وفي الركن الأيسر من جدار القبلة توجد أقدم كسوة كاملة لباب الكعبة، ويعود تاريخها إلى سنة 1516، وهي آخر كسوة صنعها المماليك قبل سقوطهم على يد العثمانيين، إذ أخذها السلطان سليم الأول عام 1517 واستبدالها، ثم أرسلها إلى جامع أولو داغ لتكون رمزاً لانتقال الخلافة من مصر العباسية إلى الدولة العثمانية.

دلالات
المساهمون