شهد العقد الأخير، الذي تلى الانتفاضات العربية، تغيّراً كبيراً في المشهد الموسيقي العربي. ابتداءً من الفرق المستقلة، مروراً بسيطرة أغاني المهرجانات في مصر، وليس انتهاءً بسطوع نجم عشرات من مغني الراب والتراب في الخليج ومصر ولبنان وفلسطين والعراق والمغرب العربي.
وبينما سيطرت أصوات المغنين الرجال على الساحة، بدأت أخيراً تظهر أصوات نسائية، خصوصاً في مجال الراب، الذي اعتبر طويلاً، حتى في الولايات المتحدة الأميركية، حكراً على الرجال من المغنين.
من أبرز الأصوات النسائية الجديدة على ساحة الراب والهيب هوب، هي الرابر الإماراتية ألماس (1999). رغم صغر سنها، عرفت المغنية الشابة كيف تشق طريقها الفني بشكل مثير للدهشة، متنقلة بين أشكال موسيقية كثيرة، في أوقات زمنية قصيرة نسبياً.
بدأت ألماس الغناء عام 2016، مع الملحن فايز السعيد، الذي له باع طويل في تقديم النجوم الصغار إلى الساحة الفنية، كما فعل سابقاً مع بلقيس وداليا مبارك.
هكذا، قدمت أغنية "الله ما يرضاها" من كلمات شام، وألحان السعيد، وتوزيع زيد عادل. أظهرت الأغنية موهبة خليجية جديدة، مقبلة بهدوء وثقة على الساحة الفنية. من جهته، بدأ فايز السعيد ينتج لها أعمالها بمشاركة راشد السعيد.
مع نهاية عام 2016، شاركت ألماس في دويتو مع المغني العراقي خالد الحنين، وأدّيا أغنية "جريدة بلا خبر" من كلمات ضياء الميالي وألحان خالد الحنين، وتوزيع حسام الدين. حقق العمل أرقام مشاهدة جيدة، فأصبحت ألماس موهبة واعدة في عالم الأغنية الخليجية.
بقيت الشابة الإماراتية ثابتة على هذا النوع الموسيقي، الأقرب إلى البوب الخليجي الشعبي؛ فقدمت أغنية "شسوى بيه"، من كلمات أحمد الفلاسي وألحان عبدالله السالم، لتحقق كذلك نجاحاً إضافياً.
لكن النجاح العربي الفعلي لألماس، جاء مع أغنيتها المصرية الأولى، "بقيت كرهاك" (كلمات محمد حسن معوض، وألحان بدر مصطفى، وتوزيع يحيى مهدي)، مقدمة أداءً مصرياً مضبوطاً ومثالياً.
في تجربتها المصرية، نتابع مع ألماس رحلتها في البحث عن صوتها الحقيقي. ذاك الذي يشبهها، بعيداً عن القالب الخليجي التقليدي. هكذا، وافقت على استخدام أغنيتها "شسوى بيه" بأسلوب المهرجانات مع فرقة "شارع 3" المصرية. ثمّ واصلت التنقل بين التجارب واللهجات، من الخليجي إلى المصري والعراقي والسوداني. ولعلّ تجربتها السودانية، تحديداً، كانت الأشجع، فقدمت أغنية "الريد الريد" على السلم الخماسي، وطعمتها ببعض الجمل الإنكليزية كذلك، لتؤكد قدراتها وموهبتها وسعيها المتواصل للتجريب.
كلّ هذا التجريب خاضته ألماس في أقل من عامَين، أي بين 2016 و2018، واستمرت في التنقل بين العوالم المتباينة، حتى نهاية عام 2020، حين اكتشف الجمهور تجربة ومرحلة جديدة من سيرة ألماس. نتحدّث هنا عن أغنية "بوظان" مع المنتج المصري توتي، معلنة عن شكل جديد من الموسيقى المعاصرة التي تتماهى فيها أكثر مع سنّها.
مع "بوظان"، تدخل ألماس عالم الراب المصري، في ما يبدو خياراً شجاعاً وجريئاً؛ إذ إنها تغني لوناً صعباً (عكس الأفكار المسبقة عن غناء الراب)، بعيداً عن لهجتها الأصلية، وقد نجحت بالفعل في التجربة. بعد هذا العمل، بدأت الشابة الإماراتية تجربتها الفعلية في عالم الهيب هوب والموسيقى الشعبية. فأعادت تقديم أغنيتها "الدنيا أكبر معجنة" تحت اسم "مين" مع المنتج الوايلي، ثمّ "أصحاب الكاس" مع علي ويزي وموسيقى محمد الألفي. تدريجياً، اكتشف الجمهور تحولاً في صوت ألماس وطريقة أدائها المذهلة.
وفي سنوات ثلاث، باتت ألماس منافسة شرسة لمغنيات الراب المصريات والعربيات، مع خصوصية صوتها وفرادته وشخصيته الخاصة، من دون أي تقليد، كما تكون غالباً الحال في البدايات