ألعاب الفيديو والدراما: مسلسلات تمضي بالاتجاه المعاكس

11 مايو 2023
من مسلسل "ذا لاست أوف أي" (HBO)
+ الخط -

عُرِضَت الحلقة الأخيرة من مسلسل The Last of Us، في الثاني عشر من شهر مارس/ آذار هذا العام، لأكثر من 8.2 ملايين مشاهد، وفقاً لشبكة HBO، ما يستثني المشاهدين من المواقع غير المرخصة أو المقرصنة بالطبع. وبكل المعايير، فإن العمل عُدّ نجاحاً على أصعدة عدة، إذ حظي من جهة بإشادة الجمهور والمشاهدين، بينما نال العمل حصته من مديح النقاد، ليصل إلى المراتب التي يصبح عندها عملاً "رفيعاً". أما النقطة التي ميّزت هذا المسلسل، فكانت أنه مقتبس من لعبة فيديو، ماضياً في الطريق الذي يُعتقَد أنه يجري بالاتجاه المعاكس عادةً، والذي قد تقول قصة "تعبيده" حتى تعبره أعمال النخبة أشياءَ عدة عن ألعاب الفيديو وعلاقتها بباقي أركان صناعة الترفيه.

في البدء كان المستقبل

لفهم الصورة الحالية، يجب علينا النظر إلى ما هو آتٍ في الفترة القادمة؛ إذ تعمل شركات مثل "أمازون برايم" و"نتفليكس" و"إتش بي أو" اليوم على عدد من الإصدارات الدرامية لألعاب الفيديو، مثل الموسم الثاني من The Last of Us لشبكة "إتش بي أو"، و Fallout لـ"أمازون برايم"، بينما ستعمل نجمة وكاتبة Fleabag، الإنكليزية فيبي وولر-بريدج مع "أمازون"، لإعادة إحياء سلسلة "تومب رايدر"، التي لم يحقق اقتباسها للسينما سابقاً النجاح المرجو منه.
تطول قائمة الإصدارات بسماتها التي تميّزها عن تلك التي أُنتِجت سابقاً، وتدل على أن المنتجين وجدوا في هذا العالم مصدراً لأعمالٍ يبدو نجاحها مضموناً نوعاً ما، من ناحية العوائد المالية على الأقل. ولهذه العلاقة الجديدة ما يجعلها تثير الاستغراب، لاعتقادٍ ساد طويلاً أن اليد العليا كانت لهوليوود في حقل الترفيه، وهو ما تقول الأرقام إنه قد بدأ يتغير بالفعل.
في عام 2022، بلغ حجم سوق الألعاب الإلكترونية 235.7 مليار دولار، متفوقاً على كثير من قطاعات الترفيه خلال فترة زمنية سريعة. ولا شك أن جائحة فيروس كورونا ساهمت في دعم هذه الصناعة، التي شكلت ملاذاً للكثيرين ممن وجدوا أنفسهم أمام فائض من الوقت وقليل من النشاطات التي يمكن ممارستها، إلا أن كل التوقعات تشير إلى مزيدٍ من النمو في المستقبل.
بذلك، يصبح هذا القطاع، بألعابه الأكثر مبيعاً على وجه التحديد، منجماً للأعمال التي ستسبقها التغطية الإعلامية والتوقعات، إضافة إلى قاعدة جماهيرية شبه مضمونة ستتابع هذه الأعمال وتعقد المقارنات مع "الأصل"، مثلما يجري مع كل الأعمال المقتبسة. ويقدم فيلم "سوبر ماريو بروز" الذي عُرِض أخيراً إثباتاً لهذا الادعاء بعد تجاوز عوائد عرضه حاجز المليار دولار.
إلا أن اقتباس ماريو لم يكن الأول من نوعه، إذ سُبِق بفيلمٍ عن الشخصية الافتراضية ذاتها عام 1993، الذي عُد إخفاقاً بكل المعايير الممكنة، وبين هذين الاقتباسين قد يكمن التغيير الحقيقي. ففي كلتا الحالتين، كان الإنتاج السينمائي محاولةً للكسب بالاعتماد على منتجٍ ينتمي إلى وسيط آخر، إلا أن مشكلة الأول كانت خلوَّه من أي محاولة لفهم العالم الذي يقتبسه أولاً وغياب معظم العناصر التي تكوّن فيلماً ناجحاً من جهة ثانية، مكتفياً بكونه، أولاً وأخيراً، محاولة للكسب.
نجد الأمر ذاته في الاقتباسات الأولى، سواء تعلق الأمر بأفلام "تومب رايدر" أو سلسلة أفلام "مورتال كومبات" التي واجهت المشاكل ذاتها. أما اليوم، فيبدو أن ما تغيّر بعد كل شيء، هو الحذر في التعامل مع "الأصل"، الذي صار فهمه للانطلاق منه وتحويره لعالم الفرجة بكل اختلافاته شرطاً رئيسياً، مثله مثل ميزانية العمل وطبيعة النجوم المشاركين، كما توضح حالة The Last of Us اليوم.

ما معنى أن نلعب؟

قد يكون هذا السؤال هو الأهم، إذ تتخطى الإجابة عنه الدراما وتتداخل مع حقول الاقتصاد والأكاديميا وغيرها، لتفضي كلها إلى الطريقة التي تم "الاعتراف" بها بألعاب الفيديو كوسيط رفيع ثقافياً، وليس مجرد مدرٍّ للأرباح. وقد يكون بوريس جونسون أفضل من يوضح هذا التحول. ففي عام 2006، هاج رئيس الوزراء البريطاني السابق على ألعاب الفيديو وإفسادها لعقول الشباب، متهماً إياها بالتسبب بالفقر والجهل، قبل أن يرحب عام 2016 -حين كان عمدة لندن- بمهرجان لألعاب الفيديو، مشيداً بقدرتها على تغيير طريقة تفكيرنا بصحتنا وبتعليم الأطفال واكتشاف الفضاء حتى.
ولمّا كان الاهتمام الأكاديمي وسيلةً لإحاطة مفهومٍ بنوع من الأهمية والاعتبار، فإن الظهور المتأخر -نسبياً- للأبحاث الأكاديمية في مجال ألعاب الفيديو، قد يبرر جزءاً من هذا التغيّر ويوضحه في الآن ذاته. فما كان في البداية جهداً يرتكز بشكل رئيسي على دراسة آثار ألعاب الفيديو، وتحديداً التساؤل عن علاقتها بالعنف والسلوك العنيف، تطوّر لاحقاً ليشمل الاقتصاد السياسي لهذه الصناعة والعاملين فيها وعلاقتها بالقوة الناعمة والبروباغاندا، وصولاً إلى سياسات التمثيل فيها، إضافةً إلى أسئلة في الجوهر تظهر إجابات عنها بين الفترة والأخرى، عمّا إذا كانت ألعاب الفيديو قابلة للتصنيف كفن، وعن المعنى الفعلي للعب، كواحدٍ من أساليب قتل الوقت في عالمٍ نُحكَم فيه بالعمل والمزيد من العمل.
شهدت الصناعة أيضاً نقلاتٍ غيّرت من الصورة التقليدية الخاصة بها. فعلى سبيل المثال، تقول بعض الإحصاءات إن 38% ممن يلعبون ألعاب الفيديو في آسيا هن نساء، بينما ترتفع هذه النسبة في الولايات المتحدة إلى 48%. ويمكن أن نلحظ الأمر ذاته بالنسبة إلى الأعمار والجنسيات وغيرها، ما يؤدي إلى اتساع السوق ليستطيع تلبية الحاجات والتفضيلات لقاعدة أكبر وأكثر تنوعاً.
كذلك، لعب التقدم التكنولوجي دوراً في تغير هذا النقاش، إذ سمحت الرسومات المتقدمة والإمكانات الجديدة في تصميم ألعاب بنهايات متعددة ومفتوحة في إدخال مزيد من الإيهام، الذي طالما عُدّ عنصراً رئيسياً في صناعة الدراما الناجحة، وهو ما ولّد النقاشات عن كون ألعاب الفيديو وسائط ناجحة للقصّ، مقتربةً بشكلٍ أو بآخر من أشكال من الدراما التفاعلية التي طالما امتازت بقدرتها على إشراك الجمهور بلعبتها وإخراجه من حيّز الفرجة السلبي.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ومع كل هذه التغيرات على الصعيد الثقافي، لا يسع الإنسان إلا أن يسأل نفسه: هل كان هذا ليجري لولا العوائد المادية المرتفعة؟ إن الإجابة عن هذا السؤال مهمة لأنها تسمح بالتنبؤ بمآل هذه الصناعة، التي يجمع كثيرون على أنها، في جذورها الأولى، نشأت كتمرد على العمل وأخذت من بعدها منحىً مفرطاً في تسليعه لكل جوانب اللعب وصناعته، مماثلةً لمراحل مرت بها أشكال الترفيه الأخرى التي كانت حتى وقت قريب تبدو أكثر "جديةً" منها.

المساهمون