أفلامٌ تكشف وتفضح والراهن ثريّ بهذا

09 ديسمبر 2024
إدلب في 1 ديسمبر 2024: فصلٌ جديد من المعاناة (محمد حاج قدور/فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تشهد المنطقة توترات مستمرة بسبب إنشاء الكيان الصهيوني في فلسطين، وتفاقم الأزمات نتيجة ممارسات الأنظمة العربية القمعية. تتنوع الحروب بين عنف إسرائيل وقمع الأنظمة الحاكمة.
- تلعب السينما دورًا مهمًا في توثيق الأحداث وفضح الحقائق، مع التركيز على فلسطين ولبنان وسوريا. تُستعاد السينما الفلسطينية واللبنانية لتوثيق الحروب، بينما تثير الحروب الداخلية في لبنان صدامات عنيفة.
- بعد اتفاق وقف العمليات العدائية بين إسرائيل ولبنان، تندلع حرب في سوريا. توثق السينما السورية الأحداث منذ 2011، مع أفلام مثل "تدمر" و"ذاكرتي مليئة بالأشباح".

كأنّ هذه الجغرافيا منذورةٌ لحروب متتالية. هذا غير جديد. إنشاء كيان صهيوني في فلسطين يصنع نكبات متتالية. أنظمة عربية حاكمة مسؤولة عن تفعيل النكبات الجماعية والمآسي الفردية. التواريخ كثيرة. الأجمل بينها شبه منعدم. العمر يمضي، والعيش في انكسار وخيبات تُحصّنه متعة كتابةٍ ومشاهدة وقراءة. والمهنة، رغم متطلّباتها الصارمة، إضافة مُريحة.

حروبٌ تتنوّع أشكالها. إسرائيل بارعةٌ في التفوّق على نفسها بابتكار الأعنف والأخطر. أنظمة حاكمة تتفنّن في ممارسة بطشٍ وتخريبٍ، وعنفها موزّع على تغييب وتهجير وقتل ونهبٍ وتجويع وإهانة. إسرائيل تُتقن الإبادة، وأنظمة حاكمة تجهد في التماهي بها، فتغلبها في معظم الأوقات.

منذ عامٍ وشهرين ويومين، تغرق هذه الجغرافيا في دمٍ ودمار وجنون. في المهنة، زملاء وزميلات يتابعون ويكتبون ويشاهدون ويعانون ألماً وخيبة. لكنْ، في المهنة نفسها، جانبٌ يعاين الراهن عبر سينما تنبثق من هذه الجغرافيا، وتقرأ هذه الجغرافيا، وتخترق خزائن حديدية لفضح وقائع وسرد حكايات وتصوير حالات، وبعض تلك السينما رائع رغم قسوة المُصوَّر والمرويّ. فلسطين أولاً، لكنْ هناك لبنان وسورية أيضاً. هذا مخيفٌ. متابعة الحاصل تُثير وجعاً وقهراً، لكنّ المُتابِع/ المُتابِعة يعرفان تماماً أنّ المُقيم/المُقيمة في الجحيم وحيدان في مواجهة الجلاّد.

في اللاحق على "طوفان الأقصى" (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023)، تستعيد المهنة سينما فلسطينية سابقة على حرب الإبادة تلك، في محاولةٍ نقدية وأخلاقية وانفعالية لإعادة تبيان المُقدَّم في أفلامها، إنْ يُعرّي المُقدَّمُ خراباً في اجتماعٍ ومشاعر وعلاقات فلسطينية، أو يواجِه المحتلّ بما يؤكّد جُرمه، في وثائقيّ مباشر، أو في روائيّ ينهل من الواقع حكايات وأحوالاً وحقائق. باغتيال حسن نصرالله (27 سبتمبر/أيلول 2024)، الأمين العام السابق لحزب الله، تنقل إسرائيل حربها إلى لبنان، تصفيات وتفجيرات وقصفاً يريد تدميراً وقتلاً. هذا يدفع المهنة إلى التنقيب في أفلامٍ لبنانية وعربية عمّا يوثِّق حروباً إسرائيلية سابقة، أو حروبٍ لبنانية ـ لبنانية، فـ"حرب الإسناد" (8 أكتوبر/تشرين الأول 2023) تُثير صدامات داخلية، بعضها أعنف من بعضها الآخر، وهذا يقول إنّ الحروب اللبنانية اللبنانية غير مختلفة كثيراً عن حروب الآخرين على البلد وناسه.

 

 

بعد ساعاتٍ على بدء تنفيذ اتفاق وقف العمليات العدائية بين إسرائيل ولبنان/حزب الله (27 أكتوبر/تشرين الأول 2024)، غير المُنجز كلّياً إلى الآن، تندلع حربٌ في سورية، وينهار نظام أسديّ مبنيّ على قتلٍ وتعذيب وتغييب، في سورية ولبنان، وفي مخيمات فلسطينية هنا وهناك أيضاً. التنقيب في سينما سورية، تحديداً، تتناول أحوال البلد وناسه منذ انتفاضة أهلية مدنية سلمية (18 مارس/آذار 2011)، يُحوّلها الطاغية بشّار الأسد إلى حربٍ ضد شعبٍ وبلد وتاريخ وعمارة وذاكرة، غير صعبٍ، فأفلامٌ عدّة تمزج الأرشفة بالتوثيق، وبعضها يُقدِّمهما (الأرشفة والتوثيق) بصُور سينمائية واضحة المعالم وجميلة، في مواكبتها مساراً مُثقلاً بآلامٍ وغبارٍ وذكرياتٍ مؤلمة.

الفصل الجديد من الحرب السورية مفتوحٌ على احتمالات جمّة، وللسينما فيه حضورٌ، خاصة مع اكتشاف سجون منغلقة على أسرى، لبنانيين وغير لبنانيين. فـ"تدمر" (2017)، لمونيكا بورغمان ولقمان سليم، يُتيح لثمانية سجناء لبنانيين سابقين في ذاك السجن السوري، المعروف بـ"مملكة الموت والجنون"، سرد حكاياتهم فيه، مع إعادة/محاولة إعادة بنائه وفقاً للعالق فيهم عنه. كلامٌ يُثير هلعاً، وتصوّرات هندسية مقتربة من مبنى السجن مخيفةٌ.

ذكر "تدمر" غير لاغٍ لائحة من الأفلام، الوثائقية والروائية، المنجزة في سورية وعنها، منذ عام 2011. اختياره متلائم والعثور على مفقودين، يُبحث عنهم/عنهنّ طويلاً. الكمّ الكبير من الأفلام السورية مركونٌ في ذاكرةٍ وأرشيف، وبقاء بعضه على الأقلّ حيّاً مؤكّدٌ، لقدرة فيه على التقاط الحاصل أو شيئاً منه، سينمائياً. آخر المُنجز فيلمان: الوثائقي "ذاكرتي مليئة بالأشباح" (2024) للفلسطيني السوري أنس زواهري (العربي الجديد، 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024)، والروائي "الأشباح" (2024) للفرنسي جوناثان مييه (العربي الجديد، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2024).

السابق قولٌ يغلب فيه الانفعاليّ على النقديّ. غليان الحاصل مُربِكٌ، والوقائع كثيرة. فهل سيكون للسينما حضورٌ في هذا كلّه أيضاً؟ وكيف؟ ومتى؟

المساهمون