أحمد فوزي صالح (1/ 3): ينتابني شكّ بما أفعله وبقيمته وجدواه

30 سبتمبر 2024
أحمد فوزي صالح: أصنع أفلاماً عمّن جئت من بينهم (العربي الجديد)
+ الخط -
اظهر الملخص
- المخرج المصري أحمد فوزي صالح يجمع بين الإخراج والتأليف، ويعمل على مشاريع سينمائية وتلفزيونية، وثائقية وروائية. قدم مشروعه الأول "جلد حي" عام 2010، ثم طوّره إلى "ورد مسموم" (2018).

- فيلمه الأخير "حكاية شادية وأختها سحر" يتناول قصص نساء من الطبقة العاملة، ويعكس اهتمامه بتصوير حياة الناس العاديين الذين يعتبرهم أبطالاً، ويهدف إلى تقديم قصصهن التي غالباً ما تُهمل في السينما.

- صالح يعاني من الشك والإحباط أحياناً، لكنه يحرص على اختبار ردود أفعال الجمهور العادي على أفلامه، ويرى أن دوره كمخرج هو تسليط الضوء على قضايا الناس وليس تقديم المساعدة المادية.

 

يجمع بين الإخراج والتأليف، ويكتب لآخرين. شارك في إنتاج "أم غايب" (2014) لنادين صليب. قدّم مشروعه الأول "جلد حي" عام 2010، الذي أشاد النقّاد به، ثم طوّره إلى "ورد مسموم" (2018). يعمل على مشاريع سينمائية وتلفزيونية، وثائقية وروائية. مع ذلك، يصف نفسه بالكسول.

الفيلم الأخير للمخرج المصري أحمد فوزي صالح وثائقي بعنوان "حكاية شادية وأختها سحر"، الذي بفضله حاورته "العربي الجديد".

 

(*) كيف ولدت فكرة "حكاية شادية وأختها سحر"؟

أحبّ صُنع أفلامٍ عمّن جئت من بينهم. أناسٌ في الهامش، أراهم أبطالاً بشكل أو بآخر. عادة، لا تمنحهم السينما دور البطولة، ولا تُصوّر قصصهم العادية على أنها بطولة. هذا الموضوع فاتن لي.

 

(*) ماذا عنه؟

للمشروع اسم آخر: "نساء من مصر". عن نساء من الطبقة العاملة، بينهنّ سحر جارتي في المبنى نفسه، وإيمان التي تعمل في مصنع، وتحاول أنْ تدخر المال لتتزوّج. بدأت الفكرة عندما كنت أنصت دائماً إلى فتيات بورجوازيات، يتحدّثن عن التحرّش الذي يتعرّضن له في المترو، أو عن كيفية نظر الناس إليهنّ وهنّ يُدخِّن السجائر. شعرت أنْ لا بُدّ من صنع أفلام عمّا لا يحكي عنه الناس. تطوّرت الفكرة إلى أنّ نساء الطبقة العاملة يتعرّضن إلى عنف مزدوج، فالمرأة العاملة في مصنع تتعرّض للتحرّش من رئيس الوردية. لكنْ، لا يُمكنها قول شيء إذْ ستُطرد. لا أُزايد على نساء أخريات يحدث لهنّ أشياء، بل أحكي عن كيف جاءت الفكرة. علماً أنّ أمي عاملةٌ.

 

(*) ماذا كانت تعمل والدتك؟

لا أريد القول لأنّها ستغضب.

 

(*) ولماذا تغضب؟

أنا لا أغضب ولا أتضايق، بل أمّي ستغضب.

 

(*) العمل ليس عيباً أو مدعاة إلى عدم الفخر، فلماذا الغضب؟

أمّي تتضايق وتغضب (يضغط على الكلمات وهو ينطقها)

 

(*) حسناً، فلنحترم رغبة والدتك.

أريد صنع أفلام تنتصر لأمي وللنساء اللواتي تربّيت بينهنّ، وشاهدتهنّ حولي.

 

 

(*) لكنْ، فعلياً، هؤلاء النساء غير موجودات في الفيلم، فلماذا تتحدّث عن المرأة العاملة؟ فيلمك يتحدّث عن شيء آخر.

إنّهن نساء عاملات، لكنْ ليس بالمعنى الماركسي. يعامَلن في المنازل. سحر تُحَضِّر الطعام لتبيعه إلى الناس. شادية تعمل أشياء أخرى. لا أريد حرق الفيلم لمن لم يشاهده. لولا وفاة شادية، كنا سنعرف طبيعة عملها أكثر.

 

(*) متى قرّرت التصوير؟ وكم استغرق وقته؟

حدث هذا عام 2011، لكنّي صوّرت عام 2017 بشكل متقطع. لا يُحرّكني إلا الشغف. أحياناً، أُصاب بإحباط ويأس، وأتساءل عن أهمية الفيلم. يعتقد الناس أنّي شرير (vilain)، وهذا غير صحيح، فأنا أعرف حقيقة نفسي. أحياناً أقرّر أنّي لن أُكمل، وبعد فترة يُقال لي: "أنت كسول جداً. فلنُكمل الفيلم"، فأعود إلى العمل يومين أو ثلاثة، ثم أغرق في الحالة نفسها.

 

(*) ما السبب؟

ينتابني شكّ بما أفعله، وبقيمته وجدواه. إنّها مشاعر تخصّني. معها، أحتاج إلى شحنات دافعة.

 

(*) هل ظهرت شادية بسبب وجود سحر؟

عندما التقيت شادية، قرّرت أن يكون الفيلم عنها، وأنْ تكون سحر شخصية ثانوية.

 

(*) ما الذي جذبك في شادية؟

ما جذبك إليها بالضبط.

 

(*) أنا لم أتحدّث عنها.

في شخصية شادية كاريزما. لديها حضورٌ قوي.

 

(*) لكنّ الجميع يُهينونها ويُحطّون من شأنها دائماً. مثلاً: ابنة سحر تسخر منها، وتعاملها بازدراء. فأين الكاريزما من الإهانة؟

هذه حيواتهنّ. أنا لا أؤلّف.

 

(*) لم أقل إنّك تؤلّف. الفيلم وثائقي. أنا أناقش سرّ جاذبيتك إلى شادية.

شخصيتها أكثر جاذبية. شاهَد الفيلم كثيرون. أُحضر دائماً أناساً من كلّ مكان ليُشاهدوه. هناك من يسأل فجأة: "ما هذا؟". ينطقون الكلمات بدهشة. أحبّوها كما أحببتها.

 

(*) تختار عشوائياً من الجمهور العادي لترى ردود أفعالهم إزاء الفيلم؟

هذا يحصل بعد انتهائي منه. في تصوير مسلسل "بطن الحوت"، أحضرت أناساً لمشاهدة التصوير، والاستماع إليهم.

 

(*) لنفترض أنّهم لا يعرفون العملية الفنية وصناعتها.

لا أعتقد. الفنّ إحساس. لن يشرحوا لي التقنيات ونوع العدسة، بل سيتحدّثون عن مشاعر: هل صَدّقوا ما رأوه، أم لا. هل أحبّوه أم لا. الفن لم يكن أبداً "تكنيك".

 

(*) لا أتحدّث عن الـ"تكنيك"، بل أقول إنّه أحياناً عندما تسير وراء رغبات الجمهور... (يُقاطعني)

لا أقول إنّي أسير وراء رغبات الجمهور. أنا أردّ على سؤالك عن سبب انجذابي إلى شادية، فأخبرتك أنّ أناساً آخرين أُعْجِبوا بها، بل أحبّوها. لا أسير وراء رغبة أحد.

 

(*) لكنّك تطرّقت إلى فكرة أخرى: أحياناً تُحضِر جمهوراً لمُشاهدة التصوير وقول رأيه. هذا يعني أنّك تهتمّ برأي جمهور عشوائي تختاره و.. (يقاطعني مُجدّداً)

طبعاً، لأنّه صادق، وفيه نقاء، وسيقول الحقيقة. هذا رأيي، خاصةً أنّنا نصنع أفلاماً يكون الحوار فيها الثالث في الأهمية. الحوار هنا متوارٍ، لذا يكون العمل صعباً على الجمهور العادي، فأحاول اختباراً: هل سيشعر، رغم عدم وجود حوار؟ هل سيتمكّن من دخول هذا العالم، أمْ لا؟ هنا أيضاً أبدأ بمراقبة الناس، لأعرف متى سيُمسكون بالموبايل.

 

(*) كي تعرف متى انصرف اهتمامهم؟

هنا، لا بُدّ من البحث عن حَلّ، طالما فَقَد اهتمامه. هذا ليس عيباً أو خطأ.

 

(*) في "جلد حي" و"ورد مسموم"، الحوار قليل جداً، وربما يصعب على الجمهور العادي استيعابه. لكنّ الحوار في "حكاية شادية وأختها سحر" متوفّر بكثرة. إنّه في المقام الأول.

لا أتّفق معك. أرى أنّه يأتي في المرتبة الثالثة. نحن نفهم منه أشياء.

 

(*) النساء يتحدّثن طوال الوقت.

يتحدّثن كلاماً عادياً.

 

(*) ألا يدخل الكلام العادي في الحوار؟ كيف تُصنّفه؟

لكنّنا لا نعرف حياتهنّ وتفاصيلها عبر الكلام. نحن نشاهد ونرى. مثلاً: لو سألتني ماذا ينقص الفيلم، أقول ينقصه أنْ أشاهد هذه الفتاة بعد رسوبها في فنون مسرحية. رغم أنّ هذا يُقال، لم أحبّ أنْ يُسمع في الحوار.

 

 

(*) هل صوّرت كثيراً؟

لديّ مواد كثيرة صوّرتها، لكنّي أحتاج إلى وقت. استغرقت وقتاً طويلاً في المونتاج، نحو عامين.

 

(*) لكنّك تعمل بشكل متقطّع. يبدو أنّك مزاجيّ في العمل.

جداً. هذا حقيقي (يضحك مازحاً) أرأيت أنّي أعترف بالأشياء؟

 

(*) يبدو من حديثك أنّ في داخلك جزءاً غير صريح.

ليس صحيحاً هذا. لكنْ، يبدو أنّك لم تُحبّي الفيلم.

 

(*) لا علاقة للمسألة بالحبّ. أنا أقيّم الفيلم نقدياً. بعد أنْ أنجزت رائعة "جلد حي"، ثم "ورد مسموم"، تمنّيتُ مشاهدة فيلمٍ بالمستوى نفسه، إن لم يتفوّق عليهما.

أحياناً، أشعر أنّي أستغلّ هؤلاء الناس.

 

(*) تقصد أولئك الذين تصوّرهم؟

طبعاً، لأنّي لا أصوّر أناساً عاديين.

 

(*) لأنّك تصوّر مهمّشين، ظروفهم المادية صعبة.

بالضبط. لذا، أتألّم. هذا يجعلني في قلقٍ نفسيّ طول الوقت.

 

(*) لماذا لا تساعدهم لترتاح نفسياً؟

هذه ليست وظيفتي ولا دوري.

 

(*) أجريتُ حواراً مع مخرجة مغربية، ذهبت إلى قريةٍ لصنع فيلمٍ عن نشأة أمّها، فاكتشفت أنّ المنطقة معزولة عن الحضر، وظروفها صعبة، والرجل يتحكم بالمرأة. هذه المخرجة عاشت معهم فترة، وحاولت تغيير تفكيرهم، وساعدت فتاة على مواصلة تعليمها الجامعي. لم تكن المساعدة مادية، بل في اتّخاذ القرار وتغيير التفكير. هذا يشبه معجزة. إذا كان ضميرك غير مستريح وتشعر بالذنب، يمكنك فعل شيء مماثل، أو مختلف.

أنتِ فهمتِني خطأ. قلتُ: أشعر بأنّي أستخدم هؤلاء الناس. مثلاً، لو أصنع فيلماً عن محكومٍ عليه بالإعدام، كيف أفيده؟ ما الذي يمكنني تقديمه إليه؟

 

(*) أنْ توصل قضيته إلى الرأي العام، وتكشف الحقيقة.

هذا رأيك. إضافة إلى أنّه عند تصوير أشخاص تعرفين أشياء عن خصوصيات حياتهم، لا يليق عرضها في فيلم. هكذا يُولد صراع وضغط نفسي كبير. ليس كلّ ما تعرفينه أو كلّ ما يقولونه يُمكن استخدامه.

المساهمون