أثرياء مصر يوظفون أموالهم في الإعلام الجديد

03 نوفمبر 2022
محاولة للوصول إلى الجمهور (كارستن كوال/ Getty)
+ الخط -

اختار عدد من أصحاب رؤوس المال المصريين تمويل الإعلام الجديد، بدعم إصدارات مواقع إخبارية وصفحات على منصات فيسبوك وتويتر ويوتيوب وإنستغرام. هكذا، ينفق المليارديرات أموالهم، ويستهدفون تغيير لغة الخطاب العام، وإنتاج محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي يروج لمشاريعهم وأفكارهم. ويشترك هؤلاء في رؤية جماعية لإدارة الاقتصاد في الدولة ورؤيتهم للإصلاح وإدارة السياسات النقدية والاستثمار، والترويج لرواد الأعمال، وعدم رضاهم عن أداء الحكومة حالياً في السياسات الاقتصادية والمالية. يدعم المليارديرات، من أصحاب مشاريع عقارية مثل سوديك وبالم هيلز، وشركات مالية منها إي إف جي هيرميس ومصرف سي آي بي، موقع إنتربرايز باللغتين العربية والإنكليزية. ينضم لهؤلاء نخبة محدودة من رجال الأعمال الذين يحرصون على ملكيتهم لوسائل الإعلام، ومنهم صلاح دياب صاحب مؤسسة المصري اليوم، ونجيب ساويرس الممول لمجموعة مصراوي وفيتو، وبعض مسؤولي المصارف والشركات الداعمين لمواقع وصفحات متخصصة وصنّاع محتوى.
لم تكن "إنتربرايز" الوسيلة الأولى الجامعة لعدد من أصحاب المليارات لامتلاك وسيلة إعلامية على الإنترنت، رغم أنها ما زالت تعتمد إلى الوصول إلى الجمهور المستهدف، المقدّر عدده بمائتي ألف شخص، عبر رسالتين صباحاً ومساء، وتغيب عن الصدور يومي الجمعة والسبت وفي الإجازات الرسمية. إذ سُمح، خلال العقد الأخير لحكم الرئيس المخلوع حسني مبارك (1928 - 2020)، لرجال الأعمال بإصدار صحف خاصة، فاشترك أحمد بهجت وساويرس وصلاح دياب في إصدار "المصري اليوم" عام 2003، وأعقبها منح بهجت قناة دريم، ثم السيد البدوي قناة الحياة عام 2007.
تدخّل أصحاب الأموال ذوو الميول اليسارية، ومنهم الدكتور محمد أبو الغار، في تمويل موقع حزب العربي الناصري وإصدار صحيفة العربي لسنوات، إلى أن قامت ثورة 25 يناير التي فتحت المجال العام وأطلقت حرية إصدار الصحف وامتلاك المواقع والفضائيات بمجرد الإخطار.
أسكت نظام 30 يونيو الأصوات المعارضة، في ضربة قاتلة لحرية الإعلام، وظل محتفظاً ببعض القنوات التي ينفق عليها أصحاب الملايين، إلى أن تمكن من إدارة المشهد الإعلامي بمفرده. صادر النظام قنوات أون تي في التابعة لساويرس، وسي بي سي المملوكة لرجل الأعمال المسجون حالياً محمد الأمين، والنهار المملوكة لرجل التسويق الإعلاني علاء الكعكي، وقناة الحياة، وألحق بها صحف ومواقع اليوم السابع والوطن والدستور والمصريون. وبطريقة ملتوية، تحولت تلك الوسائل إلى آلة إعلامية في يد شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، المملوكة للمخابرات. وفي ظل نظام لا يسمح إلا بالصوت الواحد، وقائد يصر على أن الإعلام أداة حرب يوظفها في تشكيل صورته كبطل قومي ومحاربة خصومه، وإدارته للمال العام على غير هوى أباطرة المال الخاص، بحث المليارديرات عن "وسائل جديدة تمكنهم من الحق في التعبير عن أنفسهم".
يعلم المليارديرات أنّ السيطرة على الخطاب العام تحتاج، في ظل سلطة قابضة على الإعلام، إلى منصة إعلامية ووسائط اجتماعية تتطلب أكبر قدر من المال، تمكنهم من كسر حاجز التهميش الذي يتعرضون له وقيادة الأخبار التي أصبحت بيد السلطات.
يعمل هؤلاء بجهد حثيث على تغيير المشهد الإعلامي، عبر استقطاب ذويهم من أصحاب المال والسياسيين والصحافيين ورواد الأعمال إلى مشاريعهم البسيطة على الإنترنت. هم يستهدفون كسر الحصار النفسي الذي زاد عليهم منذ 6 سنوات، مع تطبيق سياسات أدت إلى تهميش القطاع الخاص في إدارة الاستثمار في الدولة ومشاكل مالية خطيرة، أدت إلى انهيار الجنيه أمام الدولار الأميركي بنسبة 340 في المائة خلال 8 سنوات.
يستعينون بمشاهير "يوتيوب" و"فيسبوك" في إطلاق برامج محترفة، بعضها اقتصادي مثل "المخبر الاقتصادي". وبعضهم يوظف مشاهير الإعلام والممثلين، ويطلبون منهم الكتابة على صفحاتهم عن مشروعاتهم العقارية والصناعية، مقابل الرعاية الإعلامية لتلك المواقع.
يعتقد هؤلاء أن الدولة تعاني من أزمة في حرية التعبير. يقول أحدهم لـ"العربي الجديد"، مفضلاً عدم الكشف عن اسمه: "نستثمر الوقت والمال للتغيير في الخطاب الإعلامي الموجّه من طرف واحد، بالإشراف على إنتاج محتوى مقبول مهنياً وشعبياً على وسائل التواصل الاجتماعي، يساهم في مواجهة حالة الانقسام المجتمعي الذي نعيشه والمعلومات المضللة من الأطراف المتناحرة، مع ضمان عدم توجيهه لصالح جماعات سياسية أو حزبية وسنده للواقع".
إدارة منصات التواصل الاجتماعي تتطلب أكثر من المال، إذ تحتاج التزاماً عميقاً بالمنتج، والاهتمام بما يطلبه المجتمع والمحتوى الجيد، كما يقول المصدر الذي رفض ذكر اسمه، مؤكداً أن الصورة الكبيرة لم تتطور لأن تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي مازالت محدودة الأثر، مع وجود مقصلة أمنية جاهزة لحجب أي مواقع أو ملاحقة أصحابها في أي لحظة، إذا ما رأت السلطة أنها تمثل عليها خطراً أو تهدّد قبضتها على الجمهور.

كانت منظمة فريدوم هاوس الأميركية أصدرت تقريراً في يوم الصحافي العالمي، في 19 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، جاء فيه أن "مصر مازالت في عداد الدول غير الحرة على الإنترنت، منذ عام 2013، في ظل نظام يدير الدولة بطريقة استبدادية، ويتجه بها إلى مزيد من الاستبداد، إذ أن التعبير عن المعارضة يمكن أن يؤدي إلى الملاحقة الجنائية والسجن". ذكر التقرير أن "حرية الصحافة وحرية التجمع مقيدتان بشدة، مع استمرار القمع الأمني والتمييز والعنف"، ما جعل مصر في تصنيف الدول غير الحرة على الإنترنت، حتى اليوم، مع كتلة أخرى تضم 40 دولة تقمع تلك الحريات.
يؤمن المليارديرات بأن منصات التواصل الاجتماعي مفيدة لأعمالهم، فهم يحتاجون إلى مراكز ضغط بطريقة ما على السلطة، والتواصل مع الجمهور، وإحداث التغيير، خاصة أن كثيراً من الناس انفضوا عن وسائل الإعلام الرسمية والمناهضة لها من الخارج، ويبحثون الآن عن وسائل تبعدهم عن الكلام في السياسة، قادرة على توفير معلومات وأخبار بعيدة عن التضليل والتطرف والاستقطاب. يشير المصدر نفسه إلى أن "المنصات الإعلامية قادرة الآن على طرح مليون قضية مختلفة، بينما الإعلام الرسمي كل همه اليومي تكريس صورة البطل، ودفع الناس للعيش في حلمه الوردي".
يخشى مدير تحرير صحيفة الأهرام سابقاً، كارم يحيى، أن تتحول المنصات الجديدة على شاكلة القنوات التلفزيونية التي صنعها رجال أعمال أثناء ثورة 25 يناير، حين استضافوا شبابها وادعوا أنهم مع تحركاتهم، قبل أن يتحولوا إلى معول هدم لها ويصبحوا إحدى الأدوات التي انقضّت على حرية الإنترنت والإعلام. ويقول: "هؤلاء من نفس القماشة التي نسجها النظام"، فإذا كانوا يريدون إحياء الحريات، "فعليهم أن يطالبوا النظام بالإفراج عن المواقع المحجوبة، والصحافيين المحبوسين من دون جريمة، منذ سنوات". وأبدى يحيى دهشته من دعم النظام لصحف حزبية عبر السيطرة الأمنية، بينما يحجب موقع حزب التحالف الاشتراكي، ولا يسمح بإصدار صحيفة الكرامة التي أسسها حمدين صباحي، أحد المنافسين في انتخابات الرئاسة عام 2014. وعبّر يحيى عن حزنه إزاء ما يلاقيه الإعلام التقليدي والجديد من حصار، حتى أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي هي الوسيلة الوحيدة ليتعرف الناس على آراء بعضهم، رغم ما يحدثه ذلك من صدام اجتماعي واحتراب في الرأي، مؤكداً أن حلول المليارديرات على الطريقة الأميركية التي يتبعها إيلون ماسك وجورج سوروس وجيف بيزوس ودونالد ترامب في الغرب لن تفلح في مصر. يأمل الخبير في تدريب الصحافيين الشباب على ممارسة حقوقهم المهنية، أن يكون هناك حل شامل في علاقة السلطة بالصحافة، ومنحها الاستقلال المهني والمالي، والقدرة على المشاركة في التغيير.

المساهمون