استمع إلى الملخص
- نشأ في بيئة فقيرة في برونكس، نيويورك، وتأثرت حياته بوفاة والدته وجده، مما دفعه للإدمان على الكحول، لكن معلمته شجعته على دراسة التمثيل، ليصبح أحد أبرز الممثلين في هوليوود.
- رغم ترشيحه للأوسكار تسع مرات، فاز مرة واحدة فقط، ويعتبر نفسه محظوظاً في مسيرته، مؤكداً على أهمية الشغف والالتزام لتحقيق النجاح.
بحلول منتصف عام 2011، اعتقد النجم الأميركي آل باتشينو أن نجوميته أوشكت على الأفول. فوق ذلك، كان قد خسر للتو ملايين الدولارات في عملية نصب واحتيال، أقدم عليها المحاسب الخاص به. حينها، اعتقد باتشينو أن أمره قد انتهى إلى الأبد، ليس فقط بسبب خسارته المادية الفادحة، بل أيضاً بسبب نفقات حياته الخيالية. يقول النجم في سيرته الذاتية التي صدرت أخيراً تحت عنوان "سوني بوي" (Sonny Boy): "كنت مفلساً تماماً، وبالرغم من وصول العديد من التحذيرات لي، التي تفيد بأن المحاسب الذي كنت أتعامل معه حينها لم يكن جديراً بالثقة، إلا أنني لم أهتم، لأنه كان يتولى حسابات العديد من المشاهير، وكلفني هذا الإهمال سرقة 50 مليون دولار من حساباتي البنكية".
يحكي باتشينو قصة إفلاسه في سيرته الذاتية الجديدة في 384 صفحة، معنوناً إياها باسم التحبب "سوني بوي" الذي كانت تناديه به أمه روز، مبرّراً اضطراره في تلك الفترة إلى الظهور في العديد من الإعلانات التجارية سعياً إلى تفادي إشهار إفلاسه، وأيضاً مشاركته في أعمال فنية لا تليق بتاريخه الطويل، ومن بينها الفيلم الكوميدي "جاك وجيل" عام 2011 من بطولة آدم ساندلر. لكن باتشينو لا يبدي ندماً كبيراً على مشاركته في هذا العمل "المخجل"، وفقاً لوصف الصحف آنذاك، بل يقول: "كان "جاك وجيل" أول فيلم أشارك فيه بعد خسارتي أموالي، ولكي أكون صادقاً، شاركت فيه لأنني كنت في حاجة إلى المال، وقد أصر ساندلر على مشاركتي في الفيلم ودفعوا لي الكثير".
لم تكن هذه هي الكبوة الأولى التي يسقط فيها النجم القادم من سلالة صقلية خلال مشواره الطويل مع الفن، فالمتتبع لتاريخ آل باتشينو المولود في 25 إبريل/ نيسان من عام 1940 لأبوين مهاجرين في شرق هارلم في مانهاتن في مدينة نيويورك، سيعرف أن كبواته عديدة وموجعة، لكن نجاحاته أيضاً كانت مدوية، فلم تعرف السينما الأميركية ممثلاً يبدأ نجماً في سنوات قليلة على غرار مارلون براندو أو جيمس دين أواخر الخمسينيات، مثلما حدث مع باتشينو بداية عقد السبعينيات. ففي ثلاثة أعوام فقط، كان قد شارك في ثلاثة أفلام لافتة، جعلت المخرج فرانسيس فورد كوبولا يختاره، رغم أنف المعارضين، ليلعب دوره التاريخي في أول أجزاء فيلم "العراب" عام 1972. كان عمر آل باتشينو 31 عاماً فقط حين استدعاه كوبولا لتناول الغداء مع مارلون براندو في إبريل 1971. حينها، كان قد انتهى من تصوير فيلمه الثاني "الهلع في حديقة نيدل بارك" (1971)، ويستعد لتصوير فيلمه الثالث "سيربيكو" (1973). أصابت الدعوة باتشينو بالرعب، فلم يكن مارلون براندو مجرد ممثل عادي سيتوجب على باتشينو الذي يصغره بـ16 عاماً الوقوف أمامه، بل كان بطل طفولة باتشينو المولع بالتمثيل، ويعتبره "الممثل" مجسّداً في إنسان. لفت باتشينو انتباه كوبولا بعد أن أعجب الأخير بأدائه في دور مدمن الهيروين في فيلم "الهلع في حديقة نيدل بارك"، واختاره ليؤدي دور مايكل كورليوني في فيلمه الجديد، على الرغم من أن جاك نيكلسون وروبرت ريدفورد ووارن بيتي وروبرت دي نيرو، غير المعروفين آنذاك، عُرض عليهم الدور، إلا أن كوبولا اختار باتشينو عن اقتناع كامل، ما أثار استياء المديرين التنفيذيين في الاستوديو، لرغبتهم في ممثل معروف أفضل للجمهور، إرضاء لشركة الإنتاج.
بحلول عام 1975، كان آل باتشينو قد لعب دور البطولة في خمسة أفلام لا يمكن اعتبارها عادية في تاريخ السينما الأميركية، ليظهر في كل منها بدور مختلف تماماً عن الآخر، فكان مدمن الهيروين المتشرد في "الهلع في حديقة نيدل بارك"، وكان رجل الشرطة الذي يصارع منظومة الفساد داخل شرطة نيويورك في "سيربيكو" (1973)، وشخصيته الأيقونية مايكل كورليوني في "العراب" بجزأيه الأول (1972) والثاني (1974)، وسارق البنوك في "دوغ داي أفترنون" (1975).
يعتبر آل باتشينو نفسه محظوظاً، وأنه حاول لعب الأدوار التي تلمس شيئاً في شخصيته، أو لها علاقة به، لذلك يبرر رفضه المشاركة في فيلم "حرب النجوم"، قائلاً: "لم أفهم شيئاً من السيناريو".
بدأ كل شيء من نصيحة وجّهتها المعلمة بلانش روثشتاين إلى جدة الطفل ألفريدو جيمس باتشينو البالغ من العمر 12 عاماً. يقول باتشينو: "بدأ الناس ينادونني بالممثل عندما كنت ما أزال في المدرسة، لم يكن لدينا كثيراً من المال، فقد هجرنا والدي عندما كان عمري عامين، وعملت أمي في بعض الوظائف الغريبة، وتربيت على يد جدي وجدتي لأمي في شوارع برونكس. وحين تكبر في مناخ كهذا، فأنت لا تُخطط أن تصبح ممثلاً، وهنا دعني أخبرك عن بلانش روثشتاين، معلمة الدراما الخاصة بي عندما كنت في الثانية عشرة من عمري، أعجبت بي لأني كنتُ أقرأ الإنجيل بصوت متحمّس وبكثير من الانفعال، لذلك وضعتني في مسرحياتها، وفي يوم من الأيام جاءت إلى جنوب برونكس، وصعدت خمسة طوابق لتشرب القهوة مع جدتي، وتنصحها بأن عليّ دراسة التمثيل، على الرغم من أن جدتي بالتأكيد لم تكن لديها أية فكرة عما كانت تتحدث عنه هذه المعلمة".
نشأ باتشينو وسط الطبقة العاملة في برونكس الفقيرة، حيث يكافح الجميع للبقاء على قيد الحياة، بما في ذلك أمه روز التي يكتب عنها باتشينو باعتزاز كبير، لتحملها الكثير من الصعاب في تربيته، بعد أن هجرها الزوج وانتقلت مع ابنها للعيش مع والديها. عانت الأم الشابة من الاكتئاب وبدأت تظهر عليها ميول انتحارية، أدت في النهاية إلى رحيلها بسبب جرعة زائدة من الأدوية المهدئة وهي في سن الـ43 من عمرها. كان باتشينو في الثانية والعشرين حين رحلت أمه، ثم رحل جده بعد عدة أشهر. يقول: "حينها أدمنتُ على الكحول، وشعرت بأنني خسرت أقرب شخصين لي في الحياة".
لكن قبل رحيلها، كانت الأم قد اعتادت على اصطحاب ابنها الصغير معها إلى السينما. وعلى الرغم من أنها لم ترحب كثيراً بنصيحة المعلمة روثشتاين، فإنها لم تعارض أن يتقدم ابنها لاختبارات الأداء في المدرسة الثانوية للفنون المسرحية في مانهاتن، ويلتحق باتشينو بالمدرسة ليدرس المسرح، وبالتالي يترك منزل جديه ويعمل في العديد من الوظائف ليكمل دراسته، فكان ساعياً للبريد وبواباً وغاسل صحون وحارساً ليلياً وساعياً في إحدى المجلات، قبل أن يدرس التمثيل في استوديو هربرت بيرغهوف مع تشارلز لاوتون واستوديو الممثلين مع معلمه لي ستراسبرغ.
المدهش في مسيرة آل باتشينو السينمائية أنه لم يحصل إلّا على جائزة أوسكار واحدة طوال تاريخه، رغم ترشيحه لنيلها تسع مرات، عن أفلام من بينها "العراب" و"دوغ داي أفترنون" و"سيربيكو". باتشينو نال الجائزة أخيراً كأفضل ممثل عام 1992 عن فيلم "عطر امرأة"، كما رُشّح لجائزة غولدن غلوب 19 مرة، فاز بأربع منها، وفاز بجائزتي توني من ثلاثة ترشيحات.
يحكي آل باتشينو عن لقائه الأول مع مثله الأعلى مارلون براندو. كان الموعد في نفس المستشفى التي سيصوّر فيه أول مشهد يجمع بين باتشينو وبراندو في اليوم التالي، إذ يأتي باتشينو في دور الابن مايكل كورليوني البريء من الأعمال الإجرامية للمافيا، لزيارة والده دون فيتو كورليوني بعد إصابته بطلق ناري. وحال دخول باتشينو إلى الغرفة، كان مارلون براندو جالساً على سرير المستشفى وبين يديه طبق ضخم من حساء البولو كاتشيتوري الإيطالي. وعلى الفور عاجله براندو بأسئلة من قبيل: أين ومتى وُلد؟ ومنذ متى وهو يمثل؟ وما هي المسرحيات والأدوار التي يحب أن يلعبها؟ مرت معظم الأسئلة على باتشينو المرتبك بسلام، لكنه يتوقف أمام تفصيلة جعلت افتتانه بشخصية مارلون براندو يتضاعف: كان براندو يأكل من الطبق بأصابعه العارية مباشرة، ملتهماً قطع اللحم المقدد الغارقة في الصلصة الحمراء، وسرعان ما أدّيا أول مشهد مشترك لهما معاً في فيلم "العراب". يقول باتشينو: "كانت همهمات براندو الحوارية تخرج في غمغمة بسبب فمه الممتلئ، وكل ما كنت أفكر فيه حينها هو: ماذا سيفعل بهذه العظام والقطع المقددة؟ آمل ألا أضطر إلى تنظيف كل هذه الفوضى"، ولكن كان الأمر أبسط من ذلك بكثير: "اتضح أنه لم يكن هناك حاجة لقلقي، لأن براندو بسط يديه وهو يتحدث بهدوء، ومسح بأصابعه الدهنية على الملاءة النظيفة لسرير المستشفى، حينها فكرت: أترى؟ كنجم سينمائي حقيقي، يمكنك فعل أي شيء".