لا يحبذ أعضاء فريق العمل الفلسطيني الشاب في فيلم "200 متر" (2020)، التعليق على رفضهم تسلم التنويه الخاص بفيلمهم من رئيس لجنة التحكيم في مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي السابع والسبعين، المخرج الإسرائيلي ناداف لابيد. يقولون: "نريد التركيز على الفيلم ولا نريد حرف الأنظار عن مضمونه وقضيته التي استقبلها الجمهور بترحاب كبير".
تضيف المخرجة والمنتجة الشابة مي عودة (من بير زيت، 1981): "السينما سلاحنا وفيها نقول موقفنا السياسي والأخلاقي، وكم يصارع الفلسطيني يوميا للحصول على تفاصيل حياتية بسيطة".
إذ فاز الفيلم الفلسطيني "200 متر" بجائرتين في مهرجان فينيسيا السينمائي، إحداهما رفضت من صناع الفيلم، فتم سحبها وهي التنويه الخاص من رئيس لجنة التحكيم، والأخرى جائزة الجمهور، وتمت دعوة الفيلم إلى 27 مهرجاناً دولياً في مختلف أنحاء العالم خلال العام 2020 وتمت برمجته في 10 مهرجانات تقام في كوريا الجنوبية وإيطاليا وإسبانيا واليونان والنرويج وتركيا وبريطانيا وأيسلندا ومصر وقطر.
يتناول الفيلم حياة الفلسطيني اليومية التي خربها جدار الفصل العنصري، ويسرد حياة أسرة فلسطينية في بلدة الخضيرة داخل الخط الأخضر، ولكن رب العائلة (مصطفى)، يرفض الهوية الإسرائيلية (أدّى الدور علي سليمان)، فتتوزع حياة الأسرة بين منزلين تفصل بينهما 200 متر وحاجز إسمتني يصل ارتفاعه إلى عشرة أمتار، وسلك كهربائي وحواجز ومعابر وتراخيص وإذلال المحتل لأصحاب الأرض.
في منزل في "دولة إسرائيل" تعيش الزوجة سلمى (لانا زريق)، والأولاد الثلاثة مجد ومريم ونورا (توفيق ومريم وسلمى نايفة)، وآخر في الضفة الغربية يقيم فيه الزوج وأمه. يتفاهم سكّان المنزلين بإشارات ضوئية في خاتمة كل يوم يقطع فيه الزوج ساعات للعمل في إسرائيل والعودة للضفة رغم مسافة المئتي متر.
لماذا رفض مصطفى الهوية الإسرائيلية؟ بسبب "كبر الرأس"، كما تبوح الزوجة، وبسبب إصراره على أن يعيش أولاده في وسطهم الطبيعي، ويلعب ولده كرة القدم في ناد فلسطيني، لا إسرائيلي، كما يناقش الزوج.
هذه المعاناة يصورها الفيلم بتفاصيلها الصغيرة من دون الغرق بنقاشات كبيرة أو أيديولوجية على عادة بعض أفلام القضية. تأخذ قصة "200 متر" أبعادا جديدة بانتهاء تصريح مصطفى ودخول ابنه إلى المشفى واضطراره إلى التسلل.. إلى أين؟ إلى بيته وقريته وأسرته.
هنا يكشف الفيلم عن عالم مواز من شبكات التهريب، وعن عالم المهربين، وأحلام المتسللين من أجل العمل أو حضور عرس قريب، أو حتى رؤية البحر، فيكشف انكساراتهم وخراب حياتهم بسبب هذا الجدار.
يشبه مخرج الفيلم أمين نايفة رحلة الـ200 متر بـ"رحلة رأس الرجاء الصالح.. إنها الواقع من دون مبالغة، وتمثل قصة أي فلسطيني. إنها قصة عائلتي في طولكرم، حيث فرقها جدار الاحتلال، ولم أستطع أن أودع جدي قبل وفاته بسبب هذا الجدار، ورفض سلطات الاحتلال منحي تصريحا للزيارة".
صور الفيلم في فلسطين، وتحديداً في طولكرم، ومثل فيه أطفال من عائلة نايفة وكأنهم يعيشون حياتهم الحقيقية.
رحلة "200 متر" استغرقت سبع سنوات منذ كتابتها حتى وصولها لمهرجان فينيسيا، والسبب الأهم لذلك هو انعدام التمويل والإهمال العربي لهذه الأفلام.
تطل صورة ترامب ونتنياهو ضمن الفيلم مبشرة بصفقة القرن التي يصفها المحللون الإسرائيليون، كما يرد في العمل، بأنها خطة مجنونة مقامرة، لا تأخذها على محمل الجد إلا بعض الحكومات العربية.
هذا التعليق يرد بصورة عابرة، بينما يتابع البطل إحدى المحطات التلفزيونية، فيما يظل هاجس صناع الفيلم رواية قصة إنسانية تعكس واقع الناس لا أكثر.
ومما يثير الغضب والحزن أن يحضر هذا الإنجاز السينمائي الفلسطيني مع توقيع اتفاق بين لجنة أبوظبي للأفلام وصندوق السينما الإسرائيلي للتعاون بإنتاج الأفلام وإقامة مهرجان إقليمي، لن يكون لمثل هذا الفيلم مكان ولا مكانة فيه.
الفيلم أنتج بشراكة بين "عودة للأفلام" وعدة جهات أخرى، أبرزها شركة "ميتافورا للإنتاج الفني"، وهي إحدى شركات مجموعة فضاءات ميديا. وقد سبق أن تعاون الطرفان على إنتاج فيلم قصير بعنوان "رجلين مارادونا" للمخرج فراس خوري، الذي يروي قصة فتيان من فلسطين في عام 1990، يبحثون عن "إجرين مارادونا" الملصق الأخير في ألبوم لاعبي منتخبات كأس العالم للحصول على أتاري مجاني. حصد هذا الفيلم 18 جائزة حتى الآن.