"وقح": استسهال مريع فكلّ شيءٍ مُتوقَّع وواضح

07 فبراير 2022
مونيكا ميتشل: سرد ميكانيكي من دون ابتكار (أم. كولْفيلد/وايرإيماج)
+ الخط -

يجري المجرم، والمُحقّق يطارده، في "وقح (Brazen)"، لمونيكا ميتشل (2022، "نتفليكس"، تمثيل أليسّا ميلانو وسام بايج). الإيقاع سريع. لا وقت للتأمّل والتفلسف. بداية واعدة، والنتيجة: فيلم يُحقِّق أعلى مُشاهدة في المغرب على منصّة ليست مجّانية. كاتبة روايات بوليسية تصير مُحقّقة في جريمة. تتنافس مع ضابط شرطة ناجح. تنتقل من التنظير إلى الممارسة.

هناك تنافسٌ بين الضابط المحقّق والروائية. هو يفحص الوقائع، هنا الآن، وهي تتخيّل مسارات الجريمة. تُقرّر أنّه لا بُدّ من باب سرّي في الحكاية. يصعب صنع التشويق إذا كانت الأبواب كلّها مكشوفة ومفتوحة.

يجري التفكير في الجريمة من زاويتي التنظير والممارسة. الروائية تتخيّل، والضابط يطبّق الوصفات الجاهزة. لا يتخيّل ولا يتوقّع ولا يُفسّر الحوافز. هي تُقارب الواقع كروايةٍ. تُقارِب الجريمة الواقعية عبر الخيال. بهذا، تكون الروائية أكثر تقدّماً من الضابط. لا يملك الشرطيّ حدس الكاتبة.

كاتبة روايات بوليسية ناجحة، على مشارف الخمسين، تُحقِّق في جريمة قتل أحد أقاربها. حقن السيناريو (كتابة ديفيد غولدن، سيناريو سوزيت كوتور ودونالد مارتن وإديث سوينسن)، الذي يعرف الانشطار المرآوي، حكايتَه بنواة سردية كثيفة ومشهورة: القتيلة تُدرّس مسرحية "هاملت"، الذي يُحقّق في مقتل والده، بإعادة تمثيل الجريمة. هذه حالة صراع بين القصّة الأساسية وقصّة أخرى مؤطِّرة. يوجد ازدواجٌ على مستوى التحقيق أيضاً.

هناك تحقيقٌ مؤطِّرٌ، وآخر مؤطَّر. هذا تحقيق مزدوج: تنظير أدبي، وممارسة بوليسية. تحقِّق الروائية في الجريمة، ثم تقرّر التحوّل إلى طعمٍ لصيد المجرم. السرديات بخير على "نتفليكس". هذه حيل سردية تدفع إلى الكتابة عن فيلمٍ ذي خلفية أدبية عميقة، بينما السينمائيّ فيه سطحيٌّ. الرداءة جزءٌ من وصفة "نتفليكس" لتحقيق الأرباح.

يُفترض بتزاوج مخيال الأدب البوليسي وتقنيات التحقيق الميدانيّ أن يجعل الفيلم مُشوِّقاً. لكنْ، هناك استسهالٌ مريع. تحضر خصائص النوع الأدبي البوليسي كبهارات من دون ابتكار.

بحسب قوانين النوع البوليسي (Polar)، تاريخياً، تقع الجريمة في كواليس مظلمة، ويعمل المحقِّق على إضاءة المشهد، كما يقول المؤرّخ الثقافي إريك هوبزباوم. تطوّر التحقيق مع ظهور فنّ القصّة البوليسية الغامضة، التي صارت تستغرق كتاباً كاملاً. Brazen مُقتبس من رواية Brazen Virtue، للأميركية نورا روبرتس. الرواية بوليسية، والاقتباس يندرج في تقليدٍ أدبي عريق.

يضيف هوبزباوم أنّه، بعد عام 1914، انتشرت الرواية البوليسية، وعرفت رواجاً عالمياً. رواية تتناول الجريمة كلعبة كلمات متقاطعة، وفق وصفة تنطبق على فيلم مونيكا ميتشل. تحدث الجريمة في بيئة مألوفة، وفي وَسَطٍ تعليميّ ذكوري راقٍ، ينتسب إليه ابن ملياردير وابن سيناتور. لكنْ، هناك كواليس الغريزة. وحدها جريمة القتل تقدر على تحريك مفتّش الشرطة. بيئة يسودها النظام على نحو مميّز. يجري اقتفاء الجريمة من رجلٍ يصل غالباً إلى إحدى التفاحات الفاسدة، التي تؤكّد سلامة التفاح الباقي في السلة، فتعود الأمور إلى نصابها (إريك هوبزباوم، "عصر التطرفات"، ترجمة فايز الصياغ، المنظمة العربية للترجمة، 2011، ص. 354- 355).

 

سينما ودراما
التحديثات الحية

 

تحقّقت هذه الخطّاطة/الكليشيه في "وقح". لكنْ، ما الجديد في المحتوى والأسلوب؟ لا جديد. الشخصيات نمطية. الحوارات مفرطة في الشرح. زُرعَتْ مسارات بسيطة للتشويق، في سرد مستَهلَك، يُجرِّب المُجرَّب ليصل إلى نهاية سعيدة، تحقّقت بسهولة. كلّ شيءٍ مُتوقّع وواضح، ويحصل فعلياً كما هو مُقرّر، في سرد ميكانيكي لا يتقصّى احتكاكاً وتصادماً بين الواقع والخيال. لذلك، تتفوّق الروائية في كلّ مرة على الشرطة.

هل هذا قتل عشوائي أم مقصود؟ قتل فردي أم متسلسل؟

لخلق التشويق، افتُرضَت حوافز للجريمة، وصُمِّمَت طرقٌ مُضلّلة بسيطة. المحقّقة تتحوّل إلى طعمٍ للإيقاع بالمجرم. تنجح بسرعة. كلّ ما تتمنّاه يحصل من دون جهد. التحقيق أشبه برحلة في طريق سيّارة. يصعب خلق الغموض في واقع اجتماعي تحت كاميرات المراقبة، التي تُصعّب عمل المجرمين، وتُسهّل عمل الشرطة.

في نصفه الثاني، فَقَد الفيلم وهجَ النصف الأول. تجري الأحداث هنا الآن، إذاً لا مسافة زمنيّة مع الروتين اليومي للمتفرّج، ولا مسافة مكانية مع فضاء عيش المتفرّج، رغم أنّ الضحية تسكن بيتاً ذا ديكور عريق، وطراز يُذكّر بفراش بداية القرن الـ20، ويوحي بصالونات الجاسوسية الإنكليزية. إيقاع الفيلم سريعٌ، وحواراته توضيحية، لإرضاء متفرّج لا وقت لديه للهمّ والتفكير. متفرّج يريد الجاهز.

صارت أفلام الجريمة مطلوبة بشدّة، في مجتمع مطبِّع مع العنف. في "وقح"، سرعةُ سردٍ رقمية لا تتلاءم مع طبيعة البشر المتردّدين والحذرين.

المساهمون