"نتفليكس" وأفلام القوالب الجاهزة... كما لو أنها نكات بذيئة

16 اغسطس 2022
رايان غوسلينغ في "الرجل الرمادي" (نتفليكس)
+ الخط -

بثت منصة نتفليكس، أخيراً، فيلم "الرجل الرمادي"، من بطولة رايان غوسلينغ، وإخراج الأخوين روسو، وبلغت تكلفته 200 مليون دولار. قبله، بثت المنصة نفسها فيلم "النشرة الحمراء"، من بطولة دواين جونسون ورايان رينولدز وغال غادوت، بتكلفة بلغت 200 مليون دولار أيضاً. هناك، كذلك، فيلم "رجل من تورنتو"، من إخراج باتريك هيوز، وبطولة وودي هارلسون وكيفين هارت.

المشترك في هذه الأفلام التي أنتجتها "نتفليكس" خلال الشهرين الماضيين أنها تمثّل "محتوى" (Content). نستخدم، هنا، هذه الكلمة لما تحويه من معانٍ سلبيّة، لا علاقة لها بالإيرادات التي حققتها هذه الأفلام، بل ترتبط بشكلها، وما تعرضت له من انتقادات بسبب نوعيتها، وسذاجتها في بعض الأحيان.

"المحتوى" السابق مسلّ بالمعنى الساذج؛ نحن أمام أفلام أكشن، تضم نجوماً من الصف الأول، وتعتمد على الكاريزما الخاصة بهم لجذب المشاهدين. ناهيك عن أنّ هذه الأفلام تتبنى فرضيات تقليدية (أو الفرضية نفسها أحياناً). هناك دوماً شخص يجد نفسه في مكان غير مناسب، لكنه يتمكن بعد سلسلة من المعارك واللكمات الساذجة من تحقيق ذاته، واكتشاف أنه بعكس ما يظنه عن نفسه. وبهذا، الجميع سعداء في النهاية: الأشرار هُزموا، والأخيار يعيشون الانتصار.

ففي "الرجل الرمادي"، تكتشف الشخصية التي أداها غوسلينغ أنها ليست سايكوباتية، بل تمتلك مشاعر. وفي "رجل من تورنتو"، تكتشف شخصية هارلسون أيضاً أنها ليست سايكوباتيّة. لكن في "النشرة الحمراء"، فشخصية رينولدز ساخرة فقط. مهلاً، رينولدز نفسه في فيلم "مشروع آدم" الذي ينتمي للتصنيف نفسه، يلعب شخصية تكتشف أنها ليست سايكوباتيّة.

الساذج في الأفلام السابقة أنّها تعتمد على Formula، أو النموذج الثابت لأفلام الأكشن، ذاك الذي لا يتغير، ويألفه الجمهور ولا يدفعه إلى طرح أسئلة. بالطبع، لكلّ نوع سينمائي نموذج يمكن اتباعه، سواء كان الفيلم رومانسياً، أو كوميدياً، أو فيلم تشويق. لكن، هنا المشكلة، النموذج مألوف، ذو ربح مضمون، هو محتوى استهلاكي، الحلّ الأول والأسرع لإشكالية إنتاج المادة البصرية، فالجمهور/المُستهلك سيشاهد نجومه المفضلين على الشاشة من دون تردد، حتى لو كانت أدوارهم مبتذلة ومتكررة ولا جديد فيها، إلّا أنّ المشاهدة مضمونة، كحال كلّ أفلام "أفنجرز". وهنا تأتي إشكالية الألفة؛ هي رهان على الماضي المضمون، وما نمتلكه من معارف سابقة بالشخصيات وبالفن السينمائي، النموذج أشبه بالنكتة البذيئة، الضحك عليها مضمون بسبب البذاءة نفسها، ليس بسبب بنيتها أو أسلوبها أو الطريقة التي تشير فيها إلى ما هو جديد.

أشرنا إلى أنّ النموذج يتمثل بأفلام "أفنجرز". نستعيد هنا تعليق المخرج مارتن سكورسيزي، إذ وصف تلك الأفلام بأنها تشبه "مدينة الملاهي"، لنقول إنّ "النموذج" كمدينة الملاهي؛ التسلية فيها مضمونة، فالأدرينالين سيرتفع حين نركب الأفعوانية، ولا بد من أن نجفل وإن مرة واحدة حين ندخل منزل الأشباح. النتيجة مضمونة، لا جديد، فقط اجترار للألفة الماضية لتمضية الوقت.

في "النموذج" حتى لو كنا مشاهدين ساخرين (أي نتعالى على ما نشاهده ونشير إلى عيوبه)، نحن في نهاية الأمر نشاهد، أي نحقق الهدف المطلوب من المحتوى عبر استهلاكه وانتظار غيره. و"النموذج" الأشد وضوحاً، حد السخرية، هو سلسلة أفلام "جون ويك" بطولة كيانو ريفز، التي نشاهد فيها الشخصية نفسها تمشي وتقتل كلّ مَن حولها، من دون أن يرف لها جفن. صدر من الفيلم ثلاثة أجزاء حتى الآن، ولا يمكن تجاهل تكرار الشركة المنتجة لذات النموذج وحصولها على ذات النتائج.

يرى البعض أنّ اللجوء إلى هذه الصيغة من الأفلام وليد الأزمة المالية التي تمر بها "نتفليكس" خصوصاً بعد رفعها رسوم الاشتراك، ومنع المشتركين من مشاركة حساباتهم خارج المنزل الواحد، والشائعات عن لجوء المنصة إلى الإعلانات، سواء أثناء البث، أو تضمنيها داخل الأفلام والمسلسلات بصورة أكبر. ونقصد هنا ما يعرف بـ Product Placement. كلّ ما سبق يساهم في الرهان على القوالب الجاهزة، حيث الجميع رابح: المنصة، والممثلون، والجمهور الذي يريد مشاهدة ما هو "مسلّ" قبل النوم.

المساهمون