يتعامل النظام السوري مع أهالي المعارضين في الداخل على أنهم رهائن، يستخدمهم ليضغط على معارضيه في الخارج، اقتصادياً وإنسانياً وحتى إعلامياً؛ ففي بعض الأحيان يقوم النظام السوري بعرض أهالي المعارضين في الخارج على شاشاته الرسمية، ليجبرهم على الإدلاء بشهادات تتعارض مع شهادات أبنائهم وتتوافق مع روايته الإعلامية الرسمية، ليضطروا إلى شتم أبنائهم والتبري منهم على الملأ.
هذا ما حدث في الفيلم الوثائقي "من النفق إلى النور"، الذي بثته قناة "الإخبارية السورية" قبل أيام، وهو فيلم يرد فيه النظام على الفيلم الوثائقي "الكهف" الذي أخرجه فراس فياض. أما فيلم "من النفق إلى النور" فهو يبدأ بسيناريو مضحك وغبي لأبعد الحدود، حيث يستضيف شاهد عيان ليفضح الفبركات والاتهامات التي زورها فيلم "الكهف" ضد الدولة السورية، على حسب تعبيرهم؛ ليبدو الفيلم امتداداً لكل برامج التحليل السياسي التي تُعرض بشكل يومي وتهدف إلى كشف "المؤامرات الكونية على سورية". الشاهد الذي اختارته الإخبارية السورية هو ليس سوى طفل كان يحلم بدخول كلية الطب، لكن "الإرهابيين" دخلوا إلى دوما قبل تقديمه فحص التاسع، أي أنه لم يحصل بعد على الشهادة الإعدادية، لكن شغفه بالطب جعله يمارسه في مشفى الكهف في ذلك الوقت! وهنا لا يمكن أن نغض البصر عن أول تساؤل بديهي يخطر بالبال: كيف يمكن لطفل أن يعين طبيباً في مشفى دون أن يكون لديه أدنى المؤهلات؟
يدعي الطفل الذي أصبح في الوقت الحاضر طالباً جامعياً يدرس في كلية الطب، بحسب رواية الفيلم، أن مشاهد الكيميائي في فيلم "الكهف" جميعها مزورة ومفبركة، ويخبرنا قصة بمنتهى السطيحة غير قابلة للتصديق لينفي الجريمة، فيقول إنه في يوم التصوير اقتحمت مجموعة من المدنيين المشفى وادعوا أنهم تعرضوا للكيميائي، وحملوا خراطيم المياه ليرشوا بها بعضهم، بينما كانت الكاميرا تصورهم، ومن ثم غادروا المشفى عندما انتهى التصوير. أكد الشاهد أن الحالات التنفسية الوحيدة التي كانت تأتيهم إلى المشفى هي نتيجة وجود المدنيين في الأقبية والأنفاق، وذلك نتيجة قصف الإرهابيين (لمناطق نفوذهم)!
بعد هذه الرواية، يركز الفيلم جهده للهجوم على الدكتورة أماني بلور، بطلة فيلم "الكهف"، والتي كانت مديرة المستشفى في زمن حصار الغوطة الشرقية.
بالنسبة لفيلم فراس فياض، فهو يستعرض الصعوبات الاجتماعية والعائلية التي تعرضت لها أماني بلور خلال عملها، لكونها امرأة تدير مشفى في منطقة متعصبة ومجتمعها يرفض عمل النساء، ويركز عليها ليحكي كيف تمردت على العادات والتقاليد لتنقذ آلاف الأرواح. وفي الفيلم كان صوت أبيها يرافقها طول الوقت، من خلال رسائله الصوتية لها، ويتضح بذلك كيف كان خائفاً عليها، وكيف كان رافضاً لفكرة عملها في البداية في تلك المنطقة، إلى أن ينتهي الفيلم برسالة صوتية منه يعبر فيها عن فخره واعتزازه بابنته ويصفها بالبطلة. أما فيلم "من النفق إلى النور"، فهو يركز هجومه بشكل خاص على الدكتورة أماني، فيصفونها بالاسم على أنها "ارتضت لنفسها دوراً رخيصاً في عمل الآلة الدعائية ضد أهلها ووطنها". وفي سبيل ذلك، قامت الإخبارية باستدعاء أبيها، محمد أديب بلور، ليكون شاهد عيان يؤدي الدور المعاكس.
حاولوا من خلال محاورته أن يثبتوا أن أماني منبوذة، ليس فقط لعملها مع الإرهابيين، وإنما لأنها عملت دون موافقة أهلها وضد العادات والتقاليد السارية في مجتمعها؛ ليسوق الفيلم تمردها على العرف الاجتماعي بأنه جريمة بحد ذاته! ليضرب بعرض الحائط كل الأفكار التي روج بها لنفسه سابقاً عن كونه نظام حكم متحرراً وحضارياً. ومع مرور وقت الفيلم، تزداد الحدة والإثارة، ليعلن الأب تبرؤه منها، حيث يقول: "هي البنت مغضوبة.. هو الإرهابيين كذابين من بنتي وجر".
العديد من الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي أشاروا إلى أنه ربما تم الضغط عليه وتهديده لتقديم هذه التصريحات، لكنها بكل الأحوال لن تتمكن من تغيير الرأي العام بالطبع؛ فلا مجال للمقارنة ما بين فيلم "الكهف" و"من النفق إلى النور"؛ فهناك فارق كبير ما بين إتقان الصنعة والرسالة والمنطقية. لذا لا يمكن النظر إلى فيلم "الإخبارية" سوى باعتباره محاولة جديدة فاشلة يحاول فيها النظام السوري تلميع صورته وتبرئة نفسه من تهمة استخدام الأسلحة الكيميائية.