"منتصف الليل في بيرا بالاس"... بوابة الزمن التركية

16 مارس 2022
تعود بطلة العمل في الزمن إلى عصر أتاتورك (نتفليكس)
+ الخط -

يصنف مسلسل "منتصف الليل في بيرا بالاس" (Midnight at the Pera Palace) تحت خانة الغموض والخيال. خليط أدركت فيه الدراما التركية، منذ قرابة عشرة أعوام، شكلًا انتقائيًا لمزاحمة الأعمال الدرامية العربية التي أخذت تنتشر على شبكة "نتفليكس" الأميركية.
العمل من تأليف إليف عثمان، وإخراج إمرا شاهين، وبطولة هازال كايا. تؤدي كايا دور "إسرا"؛ صحافية تعمل في جريدة "ستامبلوغ". تذهب إسرا في مهمة لكتابة تقرير عن قصر تاريخي يسمى "بيرا بالاس". خلال إقامتها في إحدى غرف الفندق، ستجد مفتاحًا أثريًا، سيفتح لها ممرًا زمنيًا يعود بها إلى مدينة إسطنبول، تحديدًا عام 1919. وبالتالي، نحن أمام عمل لا يختلف في سياقه القصصي عن بعض أشهر أعمال السفر عبر الزمن الشهيرة، ولعل أقربها فيلما "ذا تايم ماشين" للمخرج سيمون ويلز (2002) و"باك تو ذا فيوتشر" للمخرج روبرت زيميكس (1989/1990).
الانتقال بالزمن الدرامي إلى زمن واقعي تشتبك فيه الأحداث وتتصاعد، دفع بالقصة بشكل سريع نحو الأمام، ورفع من وتيرة التشويق منذ الحلقة الأولى، التي شهدنا فيها استقبال إسرا مهمةً مصيريةً لم تكن في حساباتها. خلال الأزمة المبكرة التي خلقها كاتب العمل، نستكشف مرحلة تاريخية فرضها هذا الزمن الواقعي، مرتبطة بالواقع السياسي والاجتماعي الذي كان سائدًا في تركيا بعد نهاية الحرب العالمية الأولى.
ووجود إسرا، مصادفة، في هذه المرحلة، أحدث خللًا في مسلمات تاريخية مرتبطة بالدولة التركية وتأسيسها على يد مصطفى كمال أتاتورك. دهشة البطلة برؤيتها مؤسس تركيا الحديثة، أتاتورك، حجبت عنها رجاحة العقل، ليدفعها حسها الوطني للاستهزاء بقادة إنكليز كانوا موجودين في قصر بيرا بالاس، وإخبارهم أنهم زائلون، بعد أن يقود مصطفى كمال حرب الاستقلال التاريخية. من هنا، تبدأ مهمة إسرا في محاولة تصحيح الخطأ الذي ارتكبته، ومتابعة خيوط المؤامرة، التي أعدها الإنكليز لإطاحة أتاتورك، وكشفها.


هذه خلاصة حكاية ستتسع لمتاهات مرهونة أجواؤها ببعض الشخصيات التي كان لها دور مهم في توزيع خيوط الحبكة وتفرعها. إلا أنها غفلت عن عنصر المفاجأة المهم الذي من دونه تضعف عقدة الحكاية، وتهدم معها آثار التشويق المترتبة عنها. فسارعت أبواب القصة لتفتح على مصراعيها مع كل عائق أو مجابهة تواجهها البطلة، مدفوعة بمعالجة درامية تفقد رونقها ومتانتها بين مهمة وأخرى تخوضها إسرا.
ورغم أن البطلة لديها حلول جاهزة للتغلب على الصعاب التي تواجهها دونما تفسير درامي منطقي، إلا أن ذلك لا يلغي تأثير الصراعات الدائرة في محيط الحكاية وجوفها. سيناريو الأحداث العام ثابت في سياقه البصري والقصصي، ومعظم الشخصيات الأساسية بلغت دورها أمام إيقاع العمل المتسارع، وسجلت حضورًا لافتًا في خدمة النص. ودور الإخراج في توزيع عمليات التصوير والموسيقى والإضاءة كان لافتًا؛ فشكل الحياة والأبنية والموانئ والملاهي نفذ بأسلوب جذاب وفي غاية الدقة. وكان للموسيقى والألوان الخاصة بتلك المرحلة تأثير واضح في خدمة النص وإنعاشه أمام بعض الهفوات المتعلقة بالحوارات المباشرة، وكذلك أدوار بعض الشخصيات المقحمة لسد ثغرات الحكاية في مرحلة ركاكتها فزادت من الطين بلة.
يهتم العمل بتسليط الضوء على بعض القضايا الشائعة في تلك الفترة، تحديدًا ما خلفه نظام الدولة العثمانية قبل استلام مصطفى كمال قيادة الجمهورية الحديثة، وإحداثه تغييرات جذرية فيها. على رأس هذه القضايا تهميش دور المرأة التركية في الحياة الأسرية والاجتماعية، وخضوعها لنظام أبوي صارم. وأيضًا، عدم السماح لها بقيادة العربات، وحصر دورها في تربية الأبناء.

سينما ودراما
التحديثات الحية

في الحلقة الأخيرة، تعود إسرا إلى نقطة البداية، إلى غرفة رقم 411، حيث فتحت فيها بوابة الزمن. ولكن ستجد طفلة رضيعة في الغرفة، فنكتشف أنها عادت إلى زمن آخر، هو زمن ولادتها عام 1995، والطفلة التي بين يديها هي ذاتها البطلة. هذه نهاية ممتازة. تقليدية، ولكنها تشي بشكل مباشر بعودة العمل في موسم آخر، والأغلب أنه ستتم، من خلاله، معرفة تاريخ حياة إسرا ونشأتها على اعتبار أنها كانت يتيمة.

المساهمون