عاماً تلو آخر، يجهد "مهرجان كابريوليه للأفلام القصيرة" في تثبيت حيّز سينمائيّ لهذه الأفلام في بيروت. يبتعد عن التنافس والجوائز والحفلات والاستعراضات. يجعل درج مار نقولا (الأشرفية)، في منطقة الجمّيزة، صالة عرض مفتوحة. دورة سنوية ينتظرها كثيرون، وبعضهم يُنجز أفلاماً قصيرة، يرى في "كابريوليه" فضاءً مناسباً لعرضها. دورة سنوية تستقطب مخرجين ومخرجات من دول عربية وأجنبية، في لقاء عبر صُور، وتواصل عبر حكايات وحالات، وتبادل اختبارات وتأمّلات عبر إنجازاتٍ حديثة الإنتاج.
الدورة الـ13 للمهرجان تُقام في أيامٍ 3 فقط، كعادة دوراته السنوية. بين 4 و6 يونيو/ حزيران 2021، يُعرض 50 فيلماً من لبنان ومصر وأستراليا، ودول أوروبية وأميركية. العنوان لافتٌ للانتباه: "وجود". الدورة الجديدة تُقام قبل شهرين اثنين فقط على الذكرى السنوية الأولى لانفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس/ آب 2020). منطقة الجميزة، القريبة منه، تعاني دماراً في حجارةٍ ونفوسٍ وأرواحٍ، إلى الآن، كبيروت ولبنان والمُقيمين فيهما. اختيار الأفلام منبثقٌ من رغبة إدارة المهرجان في أنْ تعكس المضامين والاشتغالات معاني العنوان، في الحياة والعلاقات والمشاعر والانتماء. في تصريحاتٍ صحافية، يقول مؤسّس المهرجان ومديره، إبراهيم سماحة، إنّ اختيار الأفلام يتوافق وتحدّياتٍ كثيرة تواجهها الإنسانية كلّها.
المهرجان معنيٌّ بتقديم صُور تهتمّ بتحدّيات كهذه، وتُقاربها في دقائق قليلة، يُفترض بها أنْ تُكثِّف مضامينها وتختزلها، سينمائياً، بما يتلاءم ومتطلّبات الفيلم القصير. مثلاً: أفلام إيطالية منشغلةٌ بأسئلة الوجود والبقاء في ظلّ وباء كورونا. أفلامٌ أخرى تعاين الانتفاضة والثورة على سلطة ونظامٍ، فلبنان يصنع "انتفاضة 17 أكتوبر" (2019) ضد فسادٍ يعتمل في نظامٍ حاكم. هناك أيضاً سؤال الهجرة، الذي يُلحّ كثيراً في زمن الانكسارات والخيبات والآلام، مع المصائر المؤلمة لثورات الربيع العربي (2010 ـ 2021)، وأذية السلطة القامعة للانتفاضة اللبنانية الأخيرة. الصدامات العنفية مع النظام الحاكم في لبنان تؤدّي إلى هجرة البعض، تلك الهجرة التي يتفاقم اللجوء إليها بعد انفجار مرفأ بيروت.
بيانات صحافية تذكر أنّ غالبية الأفلام اللبنانية، حديثة الإنتاج ومعظمها غير معروض سابقاً، تنوء تحت ثقل اليأس والخراب. هذا طبيعيّ. البلد غارقٌ في بؤسٍ مخيف، والفقر يزداد، والفساد طاغٍ، والناس مكسورون ومُتعبون، يحول النهب المنظّم لهم دون عيشٍ هادئ، ودون هجرة منشودة، والقادرون على الهجرة غير مُتأخّرين عن تحقيقها.
"الغلبة للحياة"، كما يتمنّى مهتمّون بالسينما والمهرجان. يقولون إنّ أفلاماً لبنانية، مُنجزة في واقعٍ أليم كهذا، غير مُنفضّة عن رغبةٍ في الحياة والتمرّد على شقاء العيش من أجل حياة أفضل. الأيام الـ3 ستمنحهم فرصة اكتشاف بعض الجديد في صناعة الفيلم القصير، وأسئلته المختلفة.