"عملاق" و"حَمَل الله": صُورٌ وألوانٌ وصمتٌ

11 نوفمبر 2020
"حَمَل الله" لديفيد بِينايرو فيسنتشي: احتيال وتضحيات (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -

 

يعتمد "عملاق (Humongous)"، لليابانية آيا كَوَزُوِي، على صمتٍ يتخلّله كلامٌ قليلٌ وجُمل أقلّ، في استعادة ومضات من ذكرياتٍ ثقيلة على ذاتٍ وروحٍ وجسدٍ. نقيضُه "حَمَل الله"، للبرتغالي ديفيد بِينايرو فيسنتشي، يُحيل النصّ والمسار والشخصيات إلى كلامٍ يعكس تفاصيل يومية عادية لعائلةٍ، يُواجه صغيرها تحدٍّ غير واضحٍ له لصِغر سنّه، ولتمكّن الأهل من إخفاء الحدث عنه.

الفيلمان روائيان قصيران، حديثا الإنتاج (2020)، يُفترض بهما أنْ يُعرضا في الدورة الـ73 (12 ـ 23 مايو/ أيار 2020) لمهرجان "كانّ" السينمائي، الملغاة حينها بسبب تفشّي كورونا، والمُحتَفَل بها لاحقاً في 3 أيامٍ (27 ـ 29 أكتوبر/ تشرين الأول 2020)، فأُتيح لهما عرض أمام راغبين في متابعة جزءٍ يسير من المهرجان. فيلمان يختلف أحدهما عن الآخر جذرياً، إذْ يميل الأول ("عملاق"، 12 دقيقة، الاختيار الرسمي في فئة الأفلام القصيرة) إلى الـ"فلاش باك" المعبّأ بصُور ولقطات تعكس خراباً في نَفْسٍ بشرية؛ بينما يقترب الثاني ("حَمَل الله"، 15 دقيقة، أسبوع النقد) من الخراب نفسه، باتّخاذه شكلاً آخر من الصُور واللقطات المرافقة لزمن الحدث.

إعلاء مرتبة الصُور في قراءة علاقة مرتبكة بين ذاتٍ وزمنٍ، يُقابله اهتمامٌ بتفاصيل جانبية تحوط بأفرادٍ يسعون إلى غلبة التحدّيات، وتجاوزها. اللقطات تتوالى في سرد حالاتٍ تتعلّق بأفرادٍ يتواجهون في الحدود الفاصلة والمتواصلة في آن واحد بين لحظات وانفعالات وهواجس.

 

 

"عملاق" غير مهتمّ بتسلسل حكائي، فالتداخل بين أوقاتٍ وحالاتٍ أساسيّ في روايةٍ تقول شيئاً من اضطرابات ورؤى ومروياتٍ. "حَمَل الله" أوضَحْ في سرد الحكاية، وإنْ تُوهِم الحكاية بإسقاطاتٍ ترمز إلى عنفٍ وتسلّط وانكساراتٍ. هذا غير مهمّ، فالأهم كامنٌ في أولوية التركيز على التفاصيل الدقيقة التي تساهم في إقامة بناء سرديّ، يتّخذ في "عملاق" شكل لوحات فنية في التقاط مناخاتٍ وانفعالاتٍ وعلاقاتٍ، ويذهب في "حَمَل الله" إلى قهر مبطّن يُروى عبر علاقة صبيّ بحَمَلٍ يُذبَح بعيداً عنه، ويُباع لأناسٍ يتهيّأون لاحتفالٍ ما.

وضوح الحبكة (حَمَل الله) يُخفي شيئاً من رموزٍ ودلالات، تُفسَّر وفقاً لحساسية مُشاهدين مختلفي الأمزجة والهواجس. هذا حاصلٌ أيضاً في "عملاق"، إذْ يستحيل تأكيد معنى ثابتٍ أو قولٍ واحدٍ، رغم إمكانية ذلك بالتعمّق أكثر في مسام الحكاية ونبض ناسها وأهوائهم. لكنّ الابتعاد عن تأكيدٍ ما، ينبع من أولوية التمتّع بلوحات بصرية تجعل الألوان (عملاق) انعكاسات متداخلة بين غموضٍ والتباس وتوهان وضياع وتخبّطات، ومن أولوية حكايةٍ (حَمَل الله) تبغي كشفاً لحساسيات فردية في مقاربة حياةٍ معقودة على الفقر والانكفاء والعزلات؛ بينما يعكس التحايل، وإنْ بحجّة إخفاء الحقيقة عن صبيّ صغير السنّ، كذباً يؤدّي إلى مصائب مخبّأة.

المساهمون