من جديد ينكأ النظام جراح السوريين، ويمارس بحقهم أبشع صور القهرية والإذلال، وهذه المرة عبر مرسوم عفو عام رئاسي صدر السبت الماضي، دفع المئات من ذوي المعتقلين والمغيبين قسراً منذ سنوات للنزول طوال الأيام الثلاثة الماضية إلى منطقة جسر الرئيس السابق حافظ الأسد وسط العاصمة السورية دمشق، ينتظرون المجهول.
فهناك تنزل الحافلات القادمة من "سجن صيدنايا" سيئ السمعة ركابها الذين كان من بينهم عدد من المعتقلين، وهناك مركز انطلاق الحافلات إلى العديد من المناطق التي يأتي منها أولئك الذين يأملون رؤية أحبة يجهلون مصيرهم.
وتكاد الكلمات تعجز عن التعبير عن المشهد السوداوي الذي يعيشه السوريون، ويحاول الكاتب والمعارض فخر زيدان نقل جزئية منه، قائلاً عبر صفحته الشخصية على "فيسبوك": "وركضت مع الراكضين وقفت معهم تحت الجسر أسمع قصصهم وأساعدهم في تفريغ حمولة الحزن والقلق... فنادى أحدهم على باص باتجاه شارع الثورة، فركض الرجال والشباب والنساء والأطفال وركضت معهم... وصلنا إلى شارع الثورة فقالوا في المرجة، انعطفنا من حمام القرماني إلى ساحة المرجة، فوجدنا شاباً بكل ملامح البؤس والضياع فهجمت عليه الجموع".
وأضاف "قال لي شابان يقفان على بسطة: يا عمي هذا متشرد منذ سنتين هنا... فقلت للناس بصوت عال هذه المعلومة... فعادت الجموع خائبة إلى تحت الجسر تنتظر الفرج، وكان شاب من الجولان ينتظر أخاه الموقوف منذ عشر سنوات، قال لي: لماذا لا يضعون قوائم بالمفرج عنهم كقوائم الناجحين، فينتظر ذووهم وينفض الآخرون؟".
وتساءل طارق سواح عبر صفحته على "فيسبوك": "أليس منظر الأهالي وهم مجتمعون بانتظار أمل... مجرد أمل بأن يكون أحبابهم ممن غيبهم النظام لسنوات على قيد الحياة... أليس هذا المنظر يعتبر إهانة للدولة... وهنا لعزيمة الأمة؟ العمل على الدفع باتجاه كراهية السلطة؟".
وأضاف: "هل كان إقرار مشروع قانون الجريمة الإلكترونية مقدمة لاستباق ما كان سيقال في هذه الجريمة التي ارتكبتها السلطة على مدى إحدى عشرة سنة؟ هذه ليست مصالحة... ولن تكون هناك مسامحة... وإن طال الزمان فإن الباطل زائل... وإن كان للباطل جولة... فإن للحق صولات وجولات... وسيزول هذا النظام في يوم ما... حتى وإن شاب الشعر سيبقى لدينا أمل بزوال هذه السلطة الفاجرة".
أما الفنانة والمعارضة كفاح ديب، اللاجئة في إحدى دول أوروبا حالياً، فقالت عبر صفحتها على "فيسبوك": "منذ يومين أتابع بهوس كل صفحات التواصل الاجتماعي التي تنشر صور المفرَج عنهم. أدقق في كل الوجوه، أكبّر الصور وأصغّرها. احتفظت بكل الصور على كمبيوتري، لأعيد التدقيق بها واحدة واحدة. علّي أجد ملامح بعض أحبتي وأصدقائي المغيّبين".
وأضافت: "أنا التي كان اليأس قد نال مني منذ سنوات، قبل يومين عاد لي بصيص أمل بعودة أحدهم على الأقل! يا كل الآلهة ما كل هذا القهر. قليل علينا أن نعوي كلّنا كعسقلة، أكلت الضباع صغارها في ليلة مقمرة. قليل علينا أن نعوي من القهر".
وأفادت مصادر مطلعة من دمشق، طلبت عدم الكشف عن هويتها لأسباب أمنية، "العربي الجديد"، بأنّ كثيراً من الأشخاص وصلوا أخيراً من عدة محافظات سورية، على أمل أن يجتمعوا مع معتقليهم، وخاصة أنّ النظام يرمي بالمعتقلين في الشارع من دون أن يكون مع عدد منهم أوراق ثبوتية أو حتى نقود ليصلوا إلى منازلهم.
وأضافت المصادر نفسها أن "الوضع في دمشق يشير إلى حجم ملف المعتقلين، فالناس يترقبون وصول أي حافلة ليهرولوا إليها باحثين عن معتقل مفرج عنه يسألونه عن أحبتهم. إلى اليوم لا أحد يمكن أن يحسم أعداد المفرج عنهم، والنظام لم يصدر أي قوائم، ومن يطلق سراحه ليس لديه أي دليل أنه كان معتقلاً طوال السنوات السابقة، ليتهرب النظام من مسؤولية تغييب مئات آلاف السوريين".
بدورها، قالت رئيسة محكمة قضايا الإرهاب القاضية زاهرة بشماني، في تصريح لـ"الإخبارية السورية" التابعة للنظام: "بادرت محكمة قضايا الإرهاب فور صدور مرسوم العفو وبشكل فوري بإطلاق سراح المئات ممن شملهم المرسوم وتم مخاطبة السجون ليتم إطلاق سراح المشمولين على التتابع، دائماً وبكافة الأحوال في حالات إخلاء السبيل أو إنهاء تنفيذ العقوبة، يتم مباشرة إطلاق سراح الموقوف أو المحكوم من السجن مباشرة وفور مغادرة هذا الشخص باب السجن يعتبر حراً بالتوجه إلى أي مكان يرغب به".
وأضافت "لا يتم نقل الذين يطلق سراحهم إلى أي نقطة وإنما يطلق سراحهم مباشرة من السجن لذلك بالنسبة للتجمعات التي حصلت فهي مستغربة ولم يتم العمل على تجميع الموقوفين أو المحكومين المطلق سراحهم في أي مكان".
وتابعت أن "كل ما نشر على وسائل التواصل الاجتماعي من قوائم لا أساس له من الصحة ومحكمة قضايا الإرهاب أو وزارة العدل لم تنشر أي قوائم أو أسماء؛ لأنه بعد دراسة ملفات المشمولين بأحكام مرسوم العفو، ووفق قانون أصول المحاكمات الجزائية، يتم إطلاق سراح المشمولين بشكل عاجل من دون إذاعة أي قوائم أو أسماء، وأغلب الظن أن هناك أشخاصاً أرادوا لغايات معينة نشر هذه الأسماء".