قبل أيام، حلّت الفنانة اللبنانية نانسي عجرم ضيفةً في برنامج "مع الشريان"، الذي يقدمه الإعلامي السعودي داود الشريان. في المقابلة، حاول الشريان إطراء ضيفته، فقال لها: "أنتِ المطربة اللي (التي) صاروا يدعون لها في المساجد: اللهم عجرم نساءنا"، لتضحك وترد: "آمين... سمعت هالجملة (هذه الجملة) وكتير بحبها (أحبها جداً)".
هذا الحوار بين الشريان وعجرم عكس بشكل غريب العلاقة بين الصور النمطية المثالية التي يصدرها الإعلام وبين الفكر الاجتماعي الذكوري الذي يحاصر النساء في مجتمعاتنا. إذ إن المغنية اللبنانية لم تشعر بوجود أي مشكلة في المطالب الذكورية التي تحث النساء على السعي ليكنّ نسخاً عنها، في سبيل تلبية متطلبات الرجال على شاكلة الشريان ومن شاركوه الدعاء، بل تعاملت مع الأمر وكأنه إطراء يضعها في مرتبة عليا فوق سائر النساء، لتبدو سعيدة بأنها تحولت إلى النموذج الذي يجب أن يتبعنه.
ولم يكتف الشريان في حواره مع عجرم بتسليط الضوء عليها كنموذج للجمال فقط، وإنما سيّر الجلسة حتى يصدرها على أنها النموذج الذي يجب أن تحتذي به النساء في كل شيء، فهي الأم المثالية التي ترعى أطفالها طيلة الوقت، والزوجة الكاملة الملتزمة بتنفيذ كل واجباتها نحو زوجها وأطفالها رغم انشغالها بأعمالها الفنية. ذكرت عجرم الكثير من التفاصيل التي تبرهن على امتثالها التام لأداء دور المرأة النمطي في المجتمعات الذكورية، وتحدثت عن نجاح عملها وكأنه تهمة لا تتبرأ منها سوى بالتأكيد على ضرورة الإيمان بأن نجاح المرأة في بيتها له الأولوية ويجب أن ينصب جام فكرها عليه. وأكدت أنها تشرف على إدارة المنزل وتربية الأطفال بنفسها رغم وجود عدد كبير من العاملات المنزليات تحت إمرتها، وزايدت باستعراضها إتقان دور المرأة النموذجية في المجتمع الذكوري.
خلال الأسبوع الماضي أيضاً، استغلت الفنانة اللبنانية هيفاء وهبي مناسبة فوزها بجائزة "أيقونة الموضة" في مهرجان "إي إم آي غالا" EMI Gala لتملي على النساء نصائحها، إذْ قالت: "لكل صبية تتابعني أقول لها: حبي (أحبي) جسمك وحبي وجهك وحبي شعرك وحبي لونك، مثل ما أنتي حبي حالك، بتستاهلي (تستحقين)".
وعلى الرغم من أن كلمات هيفاء وهبي تبدو رسالة إيجابية لتقبل الذات، فإن هذه الرسائل لم تلقَ الصدى المطلوب لأسباب عدة، إذْ اعتبر عدد كبير من مستخدمي منصات التواصل الاجتماعي أنها تتضمن تناقضات كبيرة؛ فبينما تدعو المغنية والممثلة اللبنانية النساء إلى تقبل أشكالهن كيفما كانت، خضعت هي لعدد كبير من عمليات التجميل لتغير من شكلها، وكانت على مدار السنوات الماضية سعيدة بتشبه النساء بها، وكانت ترفض الظهور من دون وضع مستحضرات التجميل حتى في الأعمال الدرامية التي شاركت فيها، إضافةً إلى أن جميع صورها على وسائل التواصل الاجتماعي تعدل بشكل كبير لتظهر فيها أصغر سناً بكثير؛ لذلك قابل الجمهور رسالة وهبي الإيجابية بالاستهزاء، فالكلمات التي رددتها وبدت فيها وكأنها تحاول أن تقلد المقولات الدارجة في العالم الغربي كانت مثيرة للسخرية، لأنها جاءت على لسان فنانة، أمضت الكثير من وقتها في غرف عمليات التجميل، ولم تتصالح يوماً مع شكلها الطبيعي.
فعلياً إن سبب السخرية من رسالة هيفاء وهبي يتعلق بالمكانة التي تحتلها، لأنها بدت وكأنها تدعو النساء للتخلص من أثرها عليهن؛ فهي واحدة من أكثر الفنانات العرب اللواتي أثرن بشكل سلبي على علاقة النساء في العالم العربي بأجسادهن. لكن رسالتها المصطنعة تبقى أفضل بكثير من قيام الفنانة بتكريس خطابها لتعزيز المعايير التي يرسمها الإعلام في العالم العربي، كما فعلت نانسي عجرم.