لا عجب في أن يقرّ البطل الروسي في الفنون القتالية المختلطة، ألكسندر إميليانينكو، بأن الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، أوجعه ضرباً وتفوق عليه بكلتا يديه، ففي هذه الجمهورية القوقازية لا بطولة تعلو على بطولة "العقيد والزعيم" الذي صعد إلى الرئاسة منذ أكثر نحو 14 عاماً، وباتت في ظله أكثر الجمهوريات تأييداً للرئيس فلاديمير بوتين وحزب روسيا الموحدة، بنسب تصويت وتأييد تتفوق على نسب الحضور في حكم حافظ الأسد أو صدام حسين.
ولإثبات قوة "عقيد القوقاز وزعيمها"، لم يخجل المقاتل المشاكس إميليانينكو، قبل أيام، من نشر صور للواقعة في صفحته على "إنستغرام" ممهورة بعبارة "اليوم، صديقي رمضان لم يرحمني فاز بقوة بكلتا يديه".
تأديب إميليانينكو (38 عاماً) من قبل "حامي الحمى" كان مطلباً لكثير من أهل الشيشان، بعد تكرار انتهاكه القوانين وسجنه، ففي 2015 حكم عليه بالسجن لسنتين بتهمة الاعتداء على مديرة منزله، ثم حصل على إفراج مشروط في نهاية عام 2016. وفي 2018 اعتدى على مسؤول حكومي، كما اعتقل بعد فراره من مكان حادث سير تسبب به نتيجة قيادته السيارة في حالة سكر.
Instagram Post |
يبدو أن "رشوة" إميليانينكو بتسليم الحزام الذي حصل عليه بعد فوزه في نزال في الملاكمة مع البطل ميخائيل كوكلييف في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي للرئيس الشيشاني، لم تمنع عنه "نيل نصيبه" من اللكمات من رمضان المسؤول عن إحلال الأمن والهدوء في الجمهورية.
ولا يعد لجوء الفارس المولع بركوب الخيل الذي يملك خمسين حصاناً، والرياضي المحترف رئيس اتحاد الشيشان للملاكمة، إلى قبضته في إحلال القانون وتلقين الدروس لضرورة العمل بإخلاص سابقة.
ففي 2013 عاقب قديروف وزير الرياضة في الشيشان سلام بك إسماعيلوف على التقصير في صيانة مبنى الوزارة، وبدلاً من إقالة الوزير أو توجيه إنذار أو حسم من راتبه، قرر قديروف استدعاء الوزير إلى حلبة الملاكمة و"بلكمة من اليسار وأخرى من اليمين، فسرت له أن عليه أن يشغل رأسه"، كما قال الرئيس، مؤكداٍ أن النتائج كانت باهرة ببدء الوزير أعمال الصيانة، ولم يأسف لأنه سمح للوزير بارتداء وسائل حماية خاصة لرأسه حتى يستطيع العمل من دون بروز كدمات على وجهه ورأسه.
قبضة قديروف القوية تحكم الجمهورية التي كانت لها طموحات انفصالية حتى مطلع القرن الحالي بالحديد والنار، من التضييق على المعارضين وملاحقة وسائل الإعلام التي يمكن أن توجه انتقادات لطريقة حكم "القبضاي" الحريص على تنفيذ الشريعة والمحافظة على قيم المجتمع المحافظ. وحسب السيرة الذاتية فإن قديروف تخرج مع مرتبة الشرف في معهد محج قلعة الداغستاني للأعمال والقانون مع شهادة في الحقوق.
Instagram Post |
يبلغ قديروف من العمر 44 عاماً، ومتزوج من زميلته في الدراسة مدينة التي تعمل مصممة أزياء وتملك دار الموضة "فردوس"، لديهما 10 أطفال، 4 أبناء و6 بنات. وفق بيانات غير رسمية، لديه أيضاً زوجتان أخريان. ولأن قاعدة "العقل السليم في الجسم السليم"، يجب أن تنطبق على "الزعيم راعي العلم والعلماء"، فقد عيّن قديروف في الثلاثين من عمره أكاديميًا فخريًا لأكاديمية العلوم في جمهورية الشيشان. وحصل في ذات السنة على لقب بروفيسور فخري لأكاديمية العلوم الإنسانية الحديثة.
Instagram Post |
في 19 يونيو/ حزيران 2007 حصل على لقب بروفيسور فخري لجامعة جمهورية الشيشان. وفي نهاية 2015، دافع قديروف عن أطروحته للحصول على درجة دكتوراه في العلوم الاقتصادية حول موضوع "تنظيم وإدارة قطاع الاستثمار والبناء واستعادة صناعة البناء والتشييد في منطقة ذات اقتصاد مدمر".
ومع "مهاراته المتعددة"، انهالت الأوسمة والجوائز على قديروف، وفي 2015 بلغ عددها 62، منها "بطل روسيا الاتحادية"، و"خدمة الوطن"، ووسام الرجولة، وميداليتان على "حفظ الأمن العام" وميدالية على مشاركته في التعداد السكاني، وفي حال قدر له العيش طويلاً فسوف يتفوق على الزعيم السوفييتي السابق ليونيد بريجنيف (1906- 1982).
Instagram Post |
ورغم تصريحاته الحادة في القضايا الاجتماعية والثقافية والسياسية التي أثارت أكثر من مرة جدلا واسعا في روسيا وخارجها، يمتنع الرئيس بوتين والكرملين عن توجيه انتقادات علنية لقديروف، الذي استطاع في السنوات الأخيرة ضبط الجمهورية التي كانت توصف يوماً بخاصرة روسيا الضعيفة وشهدت حربين في التسعينيات من القرن الماضي وبداية القرن الحالي.
معلوم أن قديروف حارب في صفوف الانفصالين ضد الجيش الروسي في بداية شبابه مع أبيه الرئيس الأسبق أحمد قديروف. وبعد حرب الشيشان الأولى، منذ عام 1996، عمل مساعداً وحارساً شخصياً لوالده، أحمد حاجي قديروف، في ذلك الوقت أحد قادة الحركة الانفصالية المعادية لروسيا في الشيشان.
Instagram Post |
واستطاع الكرملين استمالة قديروف الأب ومعه الابن طبعا في 1999، وفي عام 2000 أصبح أحمد قديروف رئيسًا للإدارة المؤقتة، ترأس رمضان جهاز الأمن التابع لوالده، وشكله من مقاتلين موالين له شخصيًا. وفي عام 2004 وبعد ساعات على مقتل أبيه في تفجير استهدفه أثناء الاحتفالات بذكرى يوم النصر، عيّن بوتين رمضان نائبا أول لرئيس الحكومة الشيشانية ومسؤولا عن الأمن. ورفض بوتين التماساً من برلمان الجمهورية المحلي بتعديل الدستور وخفض سن الترشح لرئاسة الشيشان تحت سن 30 عاما للسماح بترشح رمضان للرئاسة، وعين علي ألخانوف رئيسا للجمهورية.
وفي عامي 2005 و2006، عمل رمضان على تقوية أوضاعه في أجهزة الأمن سعيا لوراثة أبيه حين تسنح الفرصة، وفي 2007 وبعد اشتداد الصراعات على السلطة تزامنا مع دخول رمضان عامه الحادي والثلاثين صدر قرار بوتين بتعيينه قائما بأعمال الرئاسة خلفاً لألخانوف المستقيل، لينتخب بعدها عدة مرات بأغلبية شبه مطلقة في انتخابات أشبه ما تكون بانتخابات الأنظمة الشمولية في آسيا وأفريقيا.
ومؤكد أن مخاطر الانفصال في "خاصرة روسيا الضعيفة" باتت أقل مقارنة بالعقود الماضية، لكن قمع الحريات، والأوضاع الاقتصادية قد تتسبب في انفجار الأوضاع وخروجها عن السيطرة في بيئة القوقاز الاجتماعية الصعبة، خاصة في ظل تسجيل معدلات بطالة هي الأعلى في روسيا (13.4 في المائة).
ورغم تباهي قديروف والمسؤولين الروس بإعادة بناء غروزني التي دمرتها الحروب وتصنيفها على أنها من أفضل المدن الروسية من ناحية جودة الحياة، لكن وجود أعداد كبيرة تحت خط الفقر، وعدم وجود فرص للعمل، يدفع الشيشانيين إلى الانتقال إلى أقاليم روسية أخرى للبحث عن عمل، أو حتى السفر إلى الخارج، كما أن الأوضاع في بقية مناطق الشيشان وفي الجبال باتت في ظروف أسوأ من حقبة التسعينيات، وتعيش مناطق واسعة من دون كهرباء أو غاز حتى الآن.