الفنون في كوريا: القصة تبدأ من مكان آخر

12 فبراير 2020
فرقة BTS الأشهر حول العالم (Getty)
+ الخط -
لسنوات، كان الأمين العام للأمم المتحدة (السابق) بان كي مون، أشهر اسم كوريّ جنوبيّ في العالم. فما كنّا نعرفه عن تلك البلاد، هو صراعها التاريخيّ مع جارتها الشمالية، ومنتجات شركة سامسونغ الذكية. ما عدا ذلك، كان يبدو بعيداً. 

لكن في صيف 2012، تخلّى بان كي مون عن لقب أشهر كوريّ، بعدما اكتشف العالم أغنية "غانغنام ستايل" لمواطنه Psy. غزت الأغنية العالم من كوريا إلى باقي الدول الآسيوية، ثمّ الولايات المتحدة وأوروبا وأفريقيا.. كان العالم يكرّر تلك الرقصة الشهيرة، ليكون فيديو الأغنية أول شريط يتجاوز عتبة المليار مشاهدة في تاريخ موقع "يوتيوب".

بعد إصدار الأغنية بأشهر قليلة، في أكتوبر/تشرين الأول من العام نفسه، أقيم أول مهرجان للموسيقى الكورية في الولايات المتحدة الأميركية بعنوان Kcon. في السنوات اللاحقة، سيصبح هذا المهرجان، واحداً من أكثر المهرجانات شعبيةً في العالم، وستصبح موسيقى البوب الكورية K-POP عالمية.

في أقلّ من عقد، غزت الموسيقى الكورية العالم، وباتت نجومية فرقها الشابة تتخطى نجومية الفرق الأميركية والبريطانية، وتحوّل الـK-POP من موسيقى محلية إلى صناعة كاملة تتجاوز قيمتها السوقية خمسة مليارات دولار.
لكن مسار تحوّل الموسيقى الكورية إلى موجة عالمية، لم يولد عام 2012، ولم يكن Psy أول فنان كوريّ يكتشفه الغرب. بل إنّ منصات البث هي التي سمحت له بتقديم نفسه، كأشهر وأول فنان كوريّ عالمي.

القصة الحقيقية تبدأ من مكان آخر. تحديداً، قبل "غانغنام ستايل" بعشرين عاماً. في إحدى ليالي شهر إبريل/نيسان عام 1992، وبينما كان المشاهدون الكوريون مسمّرون أمام شاشاتهم لمتابعة برنامج المواهب الخاص الذي تقدّمه قناة MBC، أطلت فرقة شابة تدعى Seo Taiji and Boys لتغنيّ أغنية مزجت بين اللهجة الكورية، والبوب الأوروبي، والراب الأميركي. لم تنجح الفرقة، وحصلت على علامات متدنية، وخرجت من المسابقة. لكن في اليوم التالي كانت أغنية هؤلاء الشباب "أعرف، Nan Arayo" تتصدر كل الإذاعات، وبقيت في الصدارة طيلة 17 أسبوعاً. في تلك الليلة ولد الـ"كي ــ بوب".



مع نهاية القرن العشرين، كانت تلك الموسيقى تجد طريقها بخجل إلى العالم، ثمّ جاء الانفجار التكنولوجي الكبير: "يوتيوب"، و"ساوندكلاود"، و"فيسبوك"، و"تويتر"، وبدأت الفرق الكورية بالانتشار، وبدأت الدولة الكورية تدرك أهمية "قوتها الناعمة". الأحداث التي تلت نعرفها جميعاً: الشهرة الخارقة، تذاكر الحفلات التي تباع بدقائق، الملايين التي تغرق الفنانين الكوريين.

لكن، لنتوقف قليلاً عند فكرة "القوة الناعمة". تلك القوة التي وقفت قبل أيام قليلة على مسرح الأوسكار، حاصدةً أبرز أربع جوائز سينمائية في العالم: أفضل فيلم، أفضل إخراج، أفضل فيلم أجنبي، وأفضل سيناريو. ففوز فيلم "طفيلي Parasite" للمخرج الكوري بونغ جون هو، جاء ليتوّج مسيرة عقدين، خاضت خلالها السينما الكورية طريقها من المحلية إلى العالمية.
هذا الاختراق الثقافي الكبير، جاء بعد سنوات من استثمار الدولة ملايينها في "الموجة الكورية الجديدة Hallyu" التي تشمل إنتاجات موسيقية ودرامية وسينمائية، إلى جانب تشجيع الشركات الخاصة على الاستثمار في القطاع الترفيهي، من خلال خفض الضرائب، وتعديل القوانين الرقابية على محتوى، والدعم المادي المباشر للشركات الصغيرة.


ورغم تأخر اعتراف المهرجانات الدولية (كانّ، جوائز غولدن غلوب، الأوسكار...) بحرفية وعالمية السينما الكورية، إلا أن فوز "طفيلي" يبدو أنه توّج تلك المسيرة الطويلة (بدأت قبل أكثر من نصف قرن) لمخرجين لامعين من أمثال شين سانغ أوك، وكيم كي دوك، وإيم سانغ سو...

وإن كانت السينما كورية، ومقاربتها للواقع الطبيعي والاجتماعي، تمكّنت من جذب النقاد السينمائيين حول العالم، فإن عنصراً ثالثاً من "الموجة الجديدة" استهدف الشريحة الأكبر من الجمهور الأجنبي: المسلسلات الدرامية. تلك الأعمال التي خلقت حالة هستيرية عند الجمهور الآسيوي من الصين إلى منغوليا ثمّ إندونيسيا، لتصل قبل 10 أعوام إلى العالم العربي، حيث تمّت دبلجتها. في عقد واحد ارتفعت الصادرات الدرامية من ثمانية ملايين دولار إلى 309 ملايين دولار عام 2018. حتى أن هذه الدراما اعتبرت البديل للدراما التركية على قناة MBC السعودية، عندما اختارت الشبكة مقاطعة أنقرة فنياً. وبالفعل حصلت المسلسلات الكورية على نسب مشاهدة عالية جداً، ما دفع قنوات أخرى إلى دخول السوق نفسها، ودبلجة بعض الأعمال إلى العربية. حتى أن منتجين أتراكاً اشتروا حقوق بعض الأعمال لإعادة صياغتها في قوالب تركية.


وأمام هذا النجاح الكبير، بدأت شركات الإنتاج بتصوير أعمال تناسب الأسواق المستهدفة: ممثلات محتشمات وبلا إيحاءات جنسية مثلاً، للأعمال التي تشتريها إيران والعراق والإمارات للدبلجة، أعمال عسكرية وتشويق في المسلسلات التي تشتريها الصين... وهكذا. تحولت الدراما إلى سلعة تخضع للعرض والطلب في السوق.

ماذا أيضاً؟ عرف الكوريون أيضاً كيف يغزون عالم الأطفال من خلال أشهر أغنية موجهة لهم في العالم خلال السنتين الأخيرتين وهي Baby shark التي تحولت من فيديو راقص إلى إمبراطورية تتجاوز قيمتها 20 مليون دولار.


المساهمون