تأتي مسابقة "شرق الغرب" في المرتبة الثانية من حيث الأهمية، بعد المسابقة الرسمية لـ"مهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي"، المنعقدة دورته الـ54 بين 28 يونيو/ حزيران و6 يوليو/ تموز 2019. في أعوام كثيرة سابقة، حظيت المسابقة باهتمام أكبر، وبأفلام أهمّ من تلك المختارة للمسابقة الرسمية. تهتمّ بأفلام دول شرق غرب أوروبا، وتُعتبر مرآة تكشف سينما تلك المنطقة، وإمكانياتها ومواضيعها واهتماماتها. لكن هذا لا يحول دون عرض أفلامٍ من بلدان أخرى، من إيران مثلاً في العام الماضي، وتركيا والسعودية هذا العام.
من مزايا "شرق الغرب"، وفيها 12 فيلمًا فقط، تقديم أسماء سينمائية أوروبية جديدة، وانفتاح على أكثر التجارب تقليدية أو تجريبية. الجرأة والاكتشاف أهمّ ما يُميّزان برمجة هذا القسم الثري. لذا، فالاختيارات الضعيفة فنيًا نادرة، علمًا أنّ الأفلام المختارة ليست كلّها ذات مستوى بصري وأدائي وفني واحد، ومع هذا يصعب وصفها بالضعف، مع أنّها تجارب أولى أو ثانية لمخرجيها، عادة.
من مزايا "شرق الغرب"، وفيها 12 فيلمًا فقط، تقديم أسماء سينمائية أوروبية جديدة، وانفتاح على أكثر التجارب تقليدية أو تجريبية. الجرأة والاكتشاف أهمّ ما يُميّزان برمجة هذا القسم الثري. لذا، فالاختيارات الضعيفة فنيًا نادرة، علمًا أنّ الأفلام المختارة ليست كلّها ذات مستوى بصري وأدائي وفني واحد، ومع هذا يصعب وصفها بالضعف، مع أنّها تجارب أولى أو ثانية لمخرجيها، عادة.
رغم اختلاف بلدان تلك الأفلام في مسابقة هذا العام، وتعدّدها (ألبانيا والسعودية ورومانيا وروسيا وتركيا وسلوفاكيا وصربيا وأوكرانيا وليتوانيا وإستونيا وتشيكيا واليونان)، إلا أنّ الطابع الاجتماعي غالبٌ على مواضيعها، مع اهتمام أكبر بالتفككّ الأسري، والشعور بالوحدة في العائلة الواحدة. للعنف والتطرف حضور ملحوظ. هذا كلّه مطروحٌ على خلفية اقتصادية، وتلميحات سياسية، في إطار معالجات فنية، تميل غالبًا إلى نسق سينمائي كلاسيكي، لا تجريبي.
"آخر زيارة" للسعودي عبد المحسن الضبعان، أول فيلم عربي ينافس على جائزة "شرق الغرب" منذ أعوام طويلة؛ فالأفلام العربية تُشارك غالبًا في مسابقة الأفلام الوثائقيّة، أو برنامحي "نظرة أخرى" و"آفاق"، من دون الوصول إلى المسابقة الرسمية أو "مسابقة شرق الغرب". هذه خطوة تحسب لمسؤولي الاختيار والبرمجة، وخصوصًا أن "آخر زيارة" يرتكز على موضوع قوي، وسيناريو شبه محكم، وأداء جيد، وإنْ شابته مشكلات في التنفيذ والمونتاج.
من الأفلام الأخرى "منزل آغا" للينديتا زيكيراج (كوسوفو). عبر نساء منعزلات في قرية جبلية، يتناول الحرب في البلقان، وما تعرضت له النساء من جرائم اغتصاب، وكراهية يَكنّها أهل المنطقة بعضهم ضد بعض، في كوسوفو وألبانيا وكرواتيا وصربيا.
في "اعتقال" للروماني أندري كُوِن، ترتكز الحكاية على الحوار أساسًا، في إطار سياسي، في ثمانينيات القرن الماضي. يُحتجز مواطنٌ للاشتباه به، فتدور الأحداث كلّها تقريبًا حوله وحول التحقيق معه. يتناول الفيلم أنواعًا عديدة من التنكيل، عبر شخص موقوف معه، يموت بسبب التعذيب.
"الثور" للروسي بوريس أكوبوف، مبني على أحداث حقيقية في التسعينيات الماضية، بعد تفكّك الاتحاد السوفييتي السابق، فيظهر ضياع اجتماعي واقتصادي، وينتشر العنف والجريمة. فيه، ينكشف مدى الإجرام الذي بلغه مراهقون، بتأسيسهم عصبةً بقيادة أحدهم، الملقَّب بـ"الثور".
الفيلم التركي "الرقيب" لسيرهات كارسلان، يدور في إطار اجتماعي طريف. فكرته تطرح ما سبق تقديمه، بطريقة مشوّقة. فأحداثه تتمحور حول زاكير، العامل في سجن رقيبًا على الرسائل المُرسلة إلى السجناء. بتلصّصه على الرسائل، يكتشف تدريجيًا علاقة مُريبة تجمع أحد السجناء بزوجته ووالده.
إلى ذلك، يجمع "أيام صامتة" للسلوفاكي بافول بيكارشيك، بين الوثائقيّ والروائي. يروي 3 قصص "منفصلة ـ متصلة"، يجمعها الفقر والجوع والتشبث بالأمل والأحلام. معظم شخصياته صُمّ بكم، تعيش في أكواخ في الغابات، محاولة أن تفعل هذا بشكل آدميّ، رغم انتفاء سبل الحياة، ومنها مياه الشرب، وكيفية قضاء الحاجة، والاستحمام.
يروي "مامونغا"، للصربي ستيفان ميليشيفتش، حكاية جوفانا ذات الشخصية القوية والمستقلّة، التي ترغب في تغيير حياتها. حبيبها ماركو يرث من أسرته حافلة لا يرغب في قيادتها، ولا في ممارسة مهنة والده، لكنه ضعيف الشخصية أمام أسرته. ذات ليلة، تُغتصب جوفانا أمام عيني ماركو الذي يقف ساكنًا، فتتغيّر حياة الثنائي كليًا.
أما "أفكاري صامتةٌ" للأوكراني أنتونيو لوكيش فيرتكز على قصّة حقيقية، تُروى بشكلٍ طريف: فاديم (25 عامًا) يطوف البلد لتسجيل أصوات الطيور والحيوانات والحشرات والرياح والمطر والبشر. يحلم بترك البلد، والسفر إلى كندا، لكنه يلتقي في سفره بوالدته، التي لم يتواصل معها منذ زمن طويل. يكتشف حقيقة مرضها الخطير، فتتعقّد حياته. في الوقت نفسه، يُلقى القبض عليه لاشتباه الشرطة بتسجيلاته، التي يعتبرونها مريبة.
عن فكرة ذات أصل تاريخية، منفّذة جيدًا بالأسود والأبيض، تدور أحداث "ليتوانيا الجديدة" لكاروليس كوبنيس العائد إلى عام 1938، أثناء احتفال ليتوانيا بمرور 20 عامًا على استقلالها. لكن الوضع في أوروبا متوتر للغاية، والحرب على الأبواب. يتفتّق ذهن الجغرافي والأستاذ الجامعي فيليكساس غروديس عن فكرة نقل السكان إلى مكان آخر عبر البحر، يكون بمثابة ليتوانيا جديدة، في حال اندلاع الحرب.
بالأسود والأبيض أيضًا، وبإيقاع هادئ وتنفيذ سينمائي رائع، وبشبه مونولوغ حواري ومونتاج فني ذكي للغاية، يروي "صمت اسكندنافي" للإستوني مارتي هيلدي، حكاية شقيقين لم يلتقيا منذ زمن بعيد، بعد سجن الأخ. في ثلثي الفيلم، يتحدّث الشقيق إلى شقيقته عن ذكرياتهما وعلاقتهما، وعن سبب فراقهما، وعمّا حدث. وأيضًا عن وفاة الوالد، والتزام شقيقته الصمت. لاحقًا، يحدث العكس. في الثلث الأخير، يتحدث الشقيقان أحدهما مع الآخر، فينكشف مدى افتقاد أحدهما إلى الآخر، وما أصاب علاقتهما الوطيدة، وتفكّك أسرتهما.
هناك أيضًا "نوعٌ مُعيَّن من الصمت"، للتشيكي ميكال هوغنآور، أحد أكثر أفلام مسابقة "شرق الغرب" صدمة. استند على أحداثٍ حقيقية، منبثقة من ضبط الشرطة مجموعة طوائف متطرّفة في تربية الأطفال اجتماعيًا ودينيًا. يُكتشف هذا عبر الشابة ميا (أليشكا كْرينْكوفا)، التي تعمل جليسة أطفال لدى عائلة، تلمس تدريجيًا مدى غرابتها، وتطرّف الوالدين وتزمّتهما في التعامل معها، وفي تربية طفلهما الوحيد، الذي يتضح لاحقًا أنّه ليس ابنهما.
أما "زيزوتيك"، لليوناني فارديس ماريناكيس، فينطوي في إطار اجتماعي واقعي بحت، مع خاتمة فانتازيّة، لا تخلو من الرمزية. ياسون (9 أعوام) تتركه والدته بمحض إرادتها، في غابة تشهد احتفالًا دينيًا صاخبًا. يحاول أنْ يعيش حياته فيها، فيتعرّف إلى مُهرّب بعد تسلّله إلى منزله. تدريجيًا، تنشأ بينهما علاقة شبه أبوية، رغم أن الرجل أبكم. مع الوقت، يعزف ياسون عن العودة إلى حياته الطبيعية، ويفضّل حياة الغابة مع الأبكم الغريب، عوضًا عن البحث عن والدته، التي نعرف لاحقًا سبب تخلّيها عنّه.