يمتلك "لما بنتولد"، للمصري تامر عزت، سمات مشجّعة، تُستَشفّ قبل مُشاهدته: أوّلها أنّه مختلفٌ عن السائد، فهو ينتمي إلى السينما المستقلة، حيث الميزانية صغيرة، والممثلون ليسوا نجوم صف أول، وبالتالي هناك سيطرة أكبر للمخرج على تقديم رؤيته الفنية من دون ضغوط إنتاجية. في الوقت نفسه، يحاول الفيلم، إيجابيا، التحلّي بعوامل تجارية جاذبة، كقصصه الرومانسية المُقدّمة في قالب موسيقيّ، للاستفادة من أحد ممثليه، أمير عيد، المغني المشهور وعضو فرقه "كايروكي".
الأمر الجاذب الآخر كامنٌ في صنّاع الفيلم أنفسهم. فلتامر عزت أفلامٌ وثائقية جيدة، بدأ إنجازها منذ أعوام عديدة، علمًا أنّ فيلمه الروائي الثاني هذا يأتي بعد 9 أعوام على فيلمه الأول "الطريق الدائري". كذلك كاتبة السيناريو الموهوبة نادين شمس، التي توفّيت قبل 5 أعوام، بعد مسيرة قصيرة ومميّزة. سيناريو "لما بنتولد" أحد الأعمال التي تركتها من دون تنفيذ.
لكن، رغم المعطيات الإيجابية هذه، لم تكن النتيجة النهائية جيّدة، إطلاقًا.
يرتكز "لما بنتولد" على 3 حكايات منفصلة دراميا، يتمّ التنقّل بينها سرديا، وتجمعها علاقة رومانسية تنشأ بين بطليها، اللذين يتعرّضان لضغوط طبقية ودينية ومجتمعية. في الحكاية الأولى، يعاني أمين (عمرو عابد) فقرا، يؤثّر على حياته، فيوافق مضطرا على أن يكون "عامل جنس" مقابل المال، مُقدِّما "خدماته" إلى سيدات غنيات، ما يؤثّر على علاقته بزوجته عايدة (ابتهال الصريطي). في الحكاية الثانية، تحبّ الفتاة المسيحية فرح (سلمى حسن) الشاب المسلم أسامة (محمد حاتم)، لكن الاختلاف الديني يهدّد علاقتهما، رغم التآلف والمحبة بينهما. في الحكاية الثالثة، يتراجع الجانب الرومانسي ليصبح هامشيا، إذْ تروي القصّة أساسا رغبة أحمد (أمير عيد) في احتراف الغناء، مقابل رفض والده المليونير لذلك، مُصرّا على مساعدته في إدارة شركاته.
تُثير مُشاهدة "لما بنتولد" شعورا بأنّه قديم للغاية، ليس فقط 5 أعوام إلى الوراء، أي إلى ما قبل وفاة كاتبته، بل إلى أقدم من ذلك بعقود، على مستوى البُعد العريض للحكايات التي تبدو كأنّها شوهدت قبلاً، أو شوهد مثلها في أفلام مصرية بالأسود والأبيض، كما على مستوى التفاصيل الدرامية، التي لا تمنحها أيّ معالجة مختلفة أو معاصرة.
فطبيعة الضغوط الميلودرامية، التي يتعرّض لها أمين من شقيقه المُراهق، والنزاعات بين زوجته ووالدته وجدّه المريض، العاجز عن إحضار الدواء له، ونوع الحوارات الدائرة بين الأب المليونير والابن المغني عن المال والغناء والعائلة، وأزمة الشابّة المتديّنة، هذه كلّها لن يختلف ـ جوهريا ـ وضعها في قصص تحدث عام 1950 مثلاً، وهذه فجوة عن الزمن، وعن السينما أيضا، لاستخدام لغة وأسلوب وصُور رومانسية "دارجة"، انتهت منها السينما منذ زمن طويل.
كذلك، يعاني السيناريو مشكلة في تتابع أحداثه، وأبرز مثل على ذلك القصّة الثانية، التي يعرف بطلاها، منذ بدايتها، أنّهما مختلفان دينيا، فهما يفتتحان حديثهما الأول معا بكلام عن هذا الاختلاف، ثم يمرّان عليه عابرا، ويستمرّ سرد القصّة في صُور رومانسية متكرّرة، قبل انفجار الأزمة فجأة، بعد حكاية مفتعلة ترويها الأم للابنة، فتبدو الشابّة كأنّها تذكّرت هذا الاختلاف الديني. فما هي الحتمية الدرامية لانفجار الأزمة الآن؟ لا إجابة حقيقية. في القصة الأولى (الأجرأ والأكثر قابلية للدراما)، يمرّ البطل بـ"كليشيهات" الفقر وأزماته المعتادة، قبل اتّخاذه القرار الذي يُعرف مسبقا أنّه سيتّخذه، أي قبول العرض، من دون أنْ نشعر لحظة بأزمة إزاء فعله، أو أنْ نقدر على التعاطف معه، قبل انتهاء القصّة فجأة بشكل مفتعل أيضا.
القصّة الثالثة هي الأكثر فراغا. فبقرار سردي غريب جدا، لا تبدأ القصّة إلا في النصف الثاني للأحداث، وهذا غير مُبرّر دراميًا. لكن، ما يبرّره كامنٌ في أن المحتوى فارغ تماما، ويمكن اختصاره في مشهد واحد. لكن المخرج فضّل أن نفاجأ بها بعد منتصفها، وأن نرتبك إزاء ظهور المغني أمير عيد منذ بداية الفيلم كـ"معلّق غنائي" على الأحداث (يظهر وسط المَشاهد من دون تفاعل مع الشخصيات، ليغنّي ما يشعرون به). فجأة، يصبح شخصية درامية عادية، لها حكايتها، بينما تعليقه لا يتكرّر في النصف الثاني.
"لما بنتولد" أقل بكثير من المتوقّع. لم يستفد من مساحة الحرية الإنتاجية، ولا باللعب في منطقة مختلفة عن الوضع الحالي للسينما في مصر، مكتفيا بخليط من الـ"كليشيهات" والمشاعر المُعلّبة والحكايات الرومانسية القديمة جدًا.