سيرة مركوري بلغة "فوكس": رامي مالك أنقذ العمل

24 نوفمبر 2018
رامي مالك في "بوهيميان رابسودي" (تويتر)
+ الخط -
يُعتبر "بوهيميان رابسودي" Bohemian Rhapsody أحد أكثر الأفلام المنتظرة منذ بداية عام 2018. السبب الأساسي كامنٌ في تناوله سيرة المغنّي الأسطوري فريدي ميركوري، والفريق الغنائي "كوين"، بالإضافة إلى المشاكل الكثيرة التي مرّ بها فريق العمل الرئيسي مع الشركة المنتجة "فوكس"، بدءًا من ارتباطه بالممثل ساشا بارون كوهين أعوامًا مديدة قبل استبداله بالصاعد رامي مالك، ثم تناوب كاتبي سيناريو شهيرين عليه، أولاً مع بيتر مورغان ثم أنتوني مكرتين. وأخيرًا استبعاد مخرجه براين سينغر في المراحل الأخيرة من التصوير، واستبداله بدِكستر فليشر لتنفيذ رؤية الشركة في المونتاج.

التغلّب على الآلام الجسدية
بعد مشاهدة الفيلم، يُمكن القول إنّ الصراع الأساسي المؤدّي إلى تلك الخلافات قائمٌ بين "خيارات آمنة ومحافظة" تريدها الشركة في تناول ميركوري والفرقة، ورؤية جدلية حاول الفنانون المستبعدون تنفيذها، فانتصرت "فوكس"، وإذا بالفيلم متواضع وفاتر، وأقرب إلى تقرير تلفزيوني طويل. في موقعها الرسمي، تعرف الشركة الفيلم بأنه احتفال بفرقة "كوين" ومغنّيهم الاستثنائي. في هذا التعريف المبسّط، جزءٌ من أزمة العمل، المتّخذ مسارًا تقليديًا جدًا لأفلام السِيَر، عبر تتبّع صعود الفرقة، مع حكايات أغانيهم المعروفة، وكيفية صناعتها، مع إشارة بخجلٍ إلى مشاكل وعقبات واجهت أعضاء الفرقة، مع نهايةٍ لائقة بفكرة "الاحتفال" التي توحي بغلبة ميركوري على آلامه الجسدية بإحيائه الحفلة الشهيرة Live Aid عام 1985.



حياة صاخبة
في هذا التناول، تنعدم الرؤية الفنية أو الجدلية، والتعامل مع ميركوري وأعضاء الفريق باعتبارهم شخصيات في حكاية درامية، لهم نواقص وخيارات خاطئة وخلافات داخلية. لكن العكس تمامًا هو ما حدث: شخصيات أقرب إلى المثالية. ربما ساهم في هذا وجود بعض أعضاء "كوين" في فريق الإنتاج للإشراف على العمل، كمواءمة أخرى من "فوكس" للحصول على حقوق الأغنيات من دون مشاكل، فإذ بالنتيجة اعتماد دائم على رؤية توافقية، وتجنّب كلّ مناطق الثراء الدرامي والإنساني المكوّنة لشخصية فريدي ميركوري وتجربته، كميوله الجنسية، وإدمانه المخدرات، والحياة الصاخبة والجنونية التي عاشها، وانتهاءً بإصابته بمرض الـ"إيدز" ووفاته بسببه عام 1991.



رامي مالك... العنصر النابض
تمّ تقنين هذا كلّه إلى أبعد حدّ، كما تمّ الاكتفاء بصورة أيقونية سطحية للنجاح، لمداعبة مشاعر الـ"نوستالجيا" والحنين عند محبّي الفرقة، من دون طموح سينمائي أبعد. توجّه كهذا يفسّر أسباب استبعاد بيتر مورغان من كتابة السيناريو، هو المعروف بأفلام ومسلسلات تتناول لحظات محورية ومثيرة للجدل بالنسبة إلى شخصيات حقيقية، أشهرها The Queen عام 2006، والاعتماد على سيناريست أكثر تقليدية في أفلام السِير كأنتوني مكرتين، المتعامل مع الروايات الرسمية لشخصياته في أفلام مثل Darkest Hour عام 2017 عن ونستون تشرشل، وThe Theory Of Everything عام 2014 عن ستيفن هوكينغ. هذا يفسر انسحاب أو استبعاد براين سينغر كمخرج، والأهم ساشا بارون كوهين، الذي أعلن مرارًا أن رؤيته لحياة مركوري تتضمّن تحدّيه للمفاهيم السائدة، وخروجه على الأنماط المرسومة. لذلك، لم يكن ممكنًا لـ"فوكس" إلاّ تدجين حياة ثورية وصاخبة، لوضعها في فيلم أخلاقي يصلح لأفراد الأسرة. رغم هذا، يُعتبر أداء رامي مالك العنصر النابض الوحيد في الفيلم. ربما لا يماثل فريدي ميركوري في الشكل، لكنه بذل جهدًا بدنيًا وتمثيليًا واضحاً لبثّ الحياة في الشخصية على الشاشة، مانحًا الصدق للحظات درامية عديدة، وأثرًا عاطفيًا في تجسيد حركي مطابق لميركوري في لقطات الحفلات الأشهر، لينقذ القليل من ما يمكن إنقاذه.

المساهمون