"نار من نار" لجورج هاشم: أسئلة وحكايات

15 يناير 2018
فادي أبي سمرا في "نار من نار"(الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
بعد أشهرٍ طويلةٍ على إنجازه، وعرضه، للمرة الأولى، في الدورة الـ 13 (7 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2016) لـ "مهرجان دبي السينمائي الدولي"، بدأت العروض التجارية اللبنانية لـ "نار من نار" (2016)، الروائي الطويل الثاني للّبناني جورج هاشم، بعد "رصاصة طايشة" (2010)، في 11 يناير/ كانون الثاني 2018. 

هذا ليس تفصيلاً. الفترة الطويلة تلك جزءٌ من حكاية هذا الفيلم اللبناني مع التوزيع، محلياً وعربياً وغربياً، ومع المهرجانات السينمائية، العربية والدولية، المنفضّة عنه لأسبابٍ "غير واضحة". لذا، يُصبح إطلاق عروضه التجارية اللبنانية نوعاً من احتفالٍ يتعدّى مجرّد إتاحة فرصة لتواصلٍ بينه وبين مُشاهدين سينمائيين، يستحقّها الفيلم، كما يستحقّها هؤلاء. فالاحتفال يذهب إلى جوهر سينمائيّ متماسك، في مستوياتٍ كثيرة، لفيلمٍ يساوي بين جمال صورة، وحيوية أداء، وعمق حكاية، ومتانة معالجة، ومتعة مُشاهدة.

وهذا، إنْ يكن مطلوباً في صناعة السينما، يتّخذ أبعاداً أهمّ في "نار من نار": عالم مبنيٌّ على رغبة الاكتشاف، وبراعة في إثارة مُتَع سينمائية، يُحيلها كلّ مُشاهد، إلى مرجعيات أو ثقافات أو حكايات تعنيه أو تمسّه، أو تُشكِّل نوعاً من بوحٍ يريده. وهو، بهذا، يرتكز على لعبة جمالية، معقودة على صناعة فيلم داخل فيلم، إذْ يجعل هاشم الشخصية الأساسية مخرجاً، يعود إلى بلده (لبنان) لتحقيق فيلمٍ يبدو كأنه اغتسال أو تطهّر أو تحرّر له من ماضٍ موغل في التباساتٍ وحالات معلّقة وأسئلة مُربكة. كما يبدو حواراً متعدّد الأصوات واللهجات، بين كلّ فردٍ وذاته، لكن الأهم بين أفرادٍ، يلتقي بعضُهم بعضاً في الحدّ الواهي بين الحقيقي والمتخيّل.

في مقالةٍ سابقةٍ لي ("العربي الجديد"، 9 يناير/ كانون الثاني 2017)، كتبتُ التالي: "التداخل ينعكس في أشكالٍ مختلفة: فهناك "فيلم داخل فيلم"، وهناك ذاكرة وتاريخ يطلان على راهنٍ مفتوحٍ على أسئلةٍ، تبدأ بالذات والمخيّلة والعلاقات والحرب (وإنْ تبقى الحرب مرجعاً لمرحلة، لا مساحة للتأمّل فيها وفي أحوالها وتأثيراتها)، وتبدو كأنها لن تنتهي في معنى الهوية وارتباطها بالانتماء والسينما، وموقعها في ذاكرة فرد وتاريخ بلد، واللغات وامتداداتها في لهجات وبيئات".

وفي دردشةٍ خاصّة، يقول جورج هاشم عن مسألتي التلاعب والتداخل: تلاعبٌ في المستويات كلها والعلاقات كلّها، وهو تلاعب سينمائي باهر؛ والتداخل بين المتخيّل والواقع حاضرٌ بفعالية كبيرة، كالتداخل بين "نار" و"نار من نار" (الأول هو الفيلم الذي يصنعه المخرج/ الشخصية داخل فيلم جورج هاشم): "التعاطي مع مبدأ "فيلم داخل فيلم" في تاريخ السينما يطرح تساؤلات: من أين تأتي الأفكار؟ كيف يتمّ تركيب الفيلم في رأس السينمائيّ؟ كيف تتداخل الأمور بعضها ببعض؟ هذا يُشبه كيفية تعاطي الدماغ، بتقطّع، مع أمور كهذه؟ أو أيضاً كما يتداخل الواقع بالخيال".


المساهمون