منذ ما قبل قيام الجمهورية المصرية الحديثة، تتعرّض الآثار المصرية لعملية سرقة منظّمة. منذ مئات السنين، آلاف القطع الأثرية هرّبت من مصر برعاية دولية، إما على شكل هدايا قدّمها الحكام للملوك والقناصل، أو هدايا لمتاحف غربية، أوروبية بشكل خاص، أو منقولات لعلماء آثار غربيين.
وفي هذا التقرير عرض لأبرز ما قام به حكّام مصر من تفريط في الآثار القديمة، ولعلها آثار يصعب إخفاؤها لضخامة حجمها، ولذا فمن البديهي أن نتوقع الكثير حول التفريط في ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من الآثار، كالحلي والذهب والمقتنيات والتماثيل الصغيرة (المساخيط) وغيرها، وهي أشياء تمتلئ بها المتاحف الغربية والخزائن الخاصة.
المسلات المنهوبة
اهتم الرومان أثناء حكمهم لمصر بجلب المسلات الفرعونية إلى أوروبا، وفي روما وحدها توجد ثماني مسلات استولى عليها الأباطرة الرومان. فمسلة لاتيرانيسي تعود لعصر تحتمس الثالث، وقد أخذت من معبد آمون في الكرنك سنة 357، ومسلة الفاتيكان تعود لعصر أمنحوتب الثاني وقد جلبها الإمبراطور كاليغولا من هيليوبليس سنة 37م، ومسلة فلامينيو تعود لسيتي الأول، وتوجد بجوارها مسلة مينيرفيو التي تعود لعصر إبريس، ومسلة سولاري التي تعود إلى بسماتيك الأول، حصل عليهما أغسطس قيصر سنة 10 ق.م. ومن هيليوبليس ومن عهد رمسيس الثاني أيضاً توجد في روما مسلات ماتشوتيو وماتيانو المجلوبتان من معبد رع في هيليوبليس، إضافة إلى مسلة دوجالي.
بينما توجد في مدينة إسطنبول التركية بميدان السلطان أحمد مسلة تحتمس الثالث، التي نقلت إلى هناك على يد الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول.
بذخ أسرة محمد علي
كان الألباني "محمد علي باشا" أشهر من قام بالتفريط في الآثار المصرية عبر إهداء تلك المسلات لدول أجنبية. فهناك "مسلة لندن" ذات النقوش التي تعود إلى تحتمس الثالث وبها بعض العلامات التي أضيفت في عهد رمسيس الثاني، وتقع الآن بجوار نهر التايمز. ظلت المسلة في مدينة الإسكندرية ألفي سنة، حتى قرر محمد علي منحها للإنكليز تكريماً لانتصارهم على جيش نابوليون بونابرت في معركة النيل سنة 1801م.
ولعله أراد لاحقاً أن يصالح فرنسا، فأهداها مسلة مزينة بالكتابة الهيروغليفية يزيد عمرها عن 3300 سنة، كانت تزين طيلة ذلك التاريخ مدخل معبد الأقصر، ويبلغ طول العمود الغرانيتي الأحمر 23 مترا ويزن أكثر من 250 طنا. وهي المسلة المنتصبة الآن بساحة الكونكورد وسط باريس.
وتشبه مسلة نيويورك في نقوشها مسلة لندن، وهي توجد الآن في حديقة سنترال بارك، أكبر حدائق منهاتن، ويبلغ وزنها 244 طنا من الحجر الغرانيتي. ومغادرة هذه المسلة لمصر كانت من ثمار حكم الخديوي إسماعيل الذي قرر إهداءها إلى الولايات المتحدة لتدعيم العلاقات التجارية في أعقاب افتتاح قناة السويس؛ ثم قام ابنه الخديوي توفيق بتنفيذ وصية والده ومنحها رسمياً بخطاب موقع في 1879م.
ويذكر أيضاً أن الخديوي إسماعيل أهدى لملوك وقناصل النمسا وفرنسا وألمانيا نحو 4000 قطعة أثرية. ووفقاً لكتاب "سرقات مشروعة: حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها ومحاولات استردادها"، للمستشار أشرف العشماوي، فإن الخديوي عباس الأول أهدى الأرشيدوق النمساوي ماكسمليان إحدى قاعات قصور المماليك القديمة، وكانت تضم أول نواة لمتحف الآثار الفرعونية المزمع إنشاؤه وقتها، وقد نقلت القاعة بالكامل عن طريق البحر إلى فيينا.
معابد النوبة المنهوبة
أما معابد النوبة فحالها أغرب من حال المسلات، وهي من ثمار العهد الناصري الذي رفع شعار التأميم، وأعطى لنفسه الحق في التملك، فمع البدء في بناء السد العالي والتسليم بإغراق مساحات أثرية كبرى بمنطقة النوبة تحت بحيرة ناصر، قامت العديد من الدول بمحاولة إنقاذ تلك الآثار، لكن الأغرب هو ما قامت به الحكومة المصرية من مكافأة تلك الدول وإهدائها معابد بأكملها.
فمعبد دندور الذي شُيّد في زمن القيصر أغسطس، تم نقله من مكانه الأصلي على بعد 87 كلم جنوب أسوان في عام 1963، وتم شحنه في 661 صندوقا، بإجمالي وزن 800 طن. وفى 27 إبريل/ نيسان عام 1967م تم إهداؤه للولايات المتحدة بحجة تقدير جهودها في حفظ آثار النوبة، وقد منح المعبد لمتحف المتروبوليتان، الذي أعاد في نيويورك تركيبه بشكله القديم نفسه.
أما معبد طافا (تافيس باليونانية)، والذي كان يقع على بعد حوالي 48 كلم جنوب أسوان، فقد أهدي إلى هولندا سنة 1960، ووصل إليها سنة 1971 وأعيد تركيبه في متحف الآثار بمدينة ليدن.
في حين وصل معبد ديبود إلى إسبانيا، وهو المعبد ذو التاريخ العريق، حيث تم بناؤه للإلهة إيزيس بجزيرة فيلة سنة 2 ق.م. وقد قامت الحكومة المصرية بإهدائه إلى دولة إسبانيا عام 1968م. التي قامت بإعادة تركيبه في حديقة قريبة من القصر الملكي وافتتاحه للجمهور سنة 1972م.
ويكشف كتاب "سرقات مشروعة" عن إهداءات عبد الناصر بعضَ القطع الأثرية للاتحاد السوفييتي (السابق) ودول أوروبا الشرقية، وعن إهداءات السادات للآثار المصرية لشاه إيران والرئيس الفرنسي جيسكار ديستان وملك السويد، وهنري كيسنجر وتيتو ونيكسون وعشرات غيرهم.
اقــرأ أيضاً
المسلات المنهوبة
اهتم الرومان أثناء حكمهم لمصر بجلب المسلات الفرعونية إلى أوروبا، وفي روما وحدها توجد ثماني مسلات استولى عليها الأباطرة الرومان. فمسلة لاتيرانيسي تعود لعصر تحتمس الثالث، وقد أخذت من معبد آمون في الكرنك سنة 357، ومسلة الفاتيكان تعود لعصر أمنحوتب الثاني وقد جلبها الإمبراطور كاليغولا من هيليوبليس سنة 37م، ومسلة فلامينيو تعود لسيتي الأول، وتوجد بجوارها مسلة مينيرفيو التي تعود لعصر إبريس، ومسلة سولاري التي تعود إلى بسماتيك الأول، حصل عليهما أغسطس قيصر سنة 10 ق.م. ومن هيليوبليس ومن عهد رمسيس الثاني أيضاً توجد في روما مسلات ماتشوتيو وماتيانو المجلوبتان من معبد رع في هيليوبليس، إضافة إلى مسلة دوجالي.
بينما توجد في مدينة إسطنبول التركية بميدان السلطان أحمد مسلة تحتمس الثالث، التي نقلت إلى هناك على يد الإمبراطور الروماني ثيودوسيوس الأول.
بذخ أسرة محمد علي
كان الألباني "محمد علي باشا" أشهر من قام بالتفريط في الآثار المصرية عبر إهداء تلك المسلات لدول أجنبية. فهناك "مسلة لندن" ذات النقوش التي تعود إلى تحتمس الثالث وبها بعض العلامات التي أضيفت في عهد رمسيس الثاني، وتقع الآن بجوار نهر التايمز. ظلت المسلة في مدينة الإسكندرية ألفي سنة، حتى قرر محمد علي منحها للإنكليز تكريماً لانتصارهم على جيش نابوليون بونابرت في معركة النيل سنة 1801م.
ولعله أراد لاحقاً أن يصالح فرنسا، فأهداها مسلة مزينة بالكتابة الهيروغليفية يزيد عمرها عن 3300 سنة، كانت تزين طيلة ذلك التاريخ مدخل معبد الأقصر، ويبلغ طول العمود الغرانيتي الأحمر 23 مترا ويزن أكثر من 250 طنا. وهي المسلة المنتصبة الآن بساحة الكونكورد وسط باريس.
وتشبه مسلة نيويورك في نقوشها مسلة لندن، وهي توجد الآن في حديقة سنترال بارك، أكبر حدائق منهاتن، ويبلغ وزنها 244 طنا من الحجر الغرانيتي. ومغادرة هذه المسلة لمصر كانت من ثمار حكم الخديوي إسماعيل الذي قرر إهداءها إلى الولايات المتحدة لتدعيم العلاقات التجارية في أعقاب افتتاح قناة السويس؛ ثم قام ابنه الخديوي توفيق بتنفيذ وصية والده ومنحها رسمياً بخطاب موقع في 1879م.
ويذكر أيضاً أن الخديوي إسماعيل أهدى لملوك وقناصل النمسا وفرنسا وألمانيا نحو 4000 قطعة أثرية. ووفقاً لكتاب "سرقات مشروعة: حكايات عن سرقة آثار مصر وتهريبها ومحاولات استردادها"، للمستشار أشرف العشماوي، فإن الخديوي عباس الأول أهدى الأرشيدوق النمساوي ماكسمليان إحدى قاعات قصور المماليك القديمة، وكانت تضم أول نواة لمتحف الآثار الفرعونية المزمع إنشاؤه وقتها، وقد نقلت القاعة بالكامل عن طريق البحر إلى فيينا.
معابد النوبة المنهوبة
أما معابد النوبة فحالها أغرب من حال المسلات، وهي من ثمار العهد الناصري الذي رفع شعار التأميم، وأعطى لنفسه الحق في التملك، فمع البدء في بناء السد العالي والتسليم بإغراق مساحات أثرية كبرى بمنطقة النوبة تحت بحيرة ناصر، قامت العديد من الدول بمحاولة إنقاذ تلك الآثار، لكن الأغرب هو ما قامت به الحكومة المصرية من مكافأة تلك الدول وإهدائها معابد بأكملها.
فمعبد دندور الذي شُيّد في زمن القيصر أغسطس، تم نقله من مكانه الأصلي على بعد 87 كلم جنوب أسوان في عام 1963، وتم شحنه في 661 صندوقا، بإجمالي وزن 800 طن. وفى 27 إبريل/ نيسان عام 1967م تم إهداؤه للولايات المتحدة بحجة تقدير جهودها في حفظ آثار النوبة، وقد منح المعبد لمتحف المتروبوليتان، الذي أعاد في نيويورك تركيبه بشكله القديم نفسه.
أما معبد طافا (تافيس باليونانية)، والذي كان يقع على بعد حوالي 48 كلم جنوب أسوان، فقد أهدي إلى هولندا سنة 1960، ووصل إليها سنة 1971 وأعيد تركيبه في متحف الآثار بمدينة ليدن.
في حين وصل معبد ديبود إلى إسبانيا، وهو المعبد ذو التاريخ العريق، حيث تم بناؤه للإلهة إيزيس بجزيرة فيلة سنة 2 ق.م. وقد قامت الحكومة المصرية بإهدائه إلى دولة إسبانيا عام 1968م. التي قامت بإعادة تركيبه في حديقة قريبة من القصر الملكي وافتتاحه للجمهور سنة 1972م.
ويكشف كتاب "سرقات مشروعة" عن إهداءات عبد الناصر بعضَ القطع الأثرية للاتحاد السوفييتي (السابق) ودول أوروبا الشرقية، وعن إهداءات السادات للآثار المصرية لشاه إيران والرئيس الفرنسي جيسكار ديستان وملك السويد، وهنري كيسنجر وتيتو ونيكسون وعشرات غيرهم.