تكريم محمد خان: صانع صورة وجمال

21 نوفمبر 2016
ياسمين رئيس في لقطة من "فتاة المصنع" لمحمد خان(فيسبوك)
+ الخط -
قبل رحيله بوقتٍ قصير، اختارت إدارة "مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، المخرج المصري محمد خان (1942 ـ 2016) لتكريمه، في الدورة الـ 38 (15 ـ 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، بمنحه "جائزة فاتن حمامة التقديرية". الاتفاق بين الطرفين حاصلٌ: اختار السينمائيّ بعض أفلامه، لعرضها في الدورة تلك. انتقى 8 منها: "الحرّيف" (1984)، "أحلام هند وكاميليا" (1988)، "زوجة رجل مهم" (1988)، "سوبرماركت" (1990)، "فارس المدينة" (1992)، "كليفتي" (2004)، و"فتاة المصنع" (2014). 
هذه خيارات دقيقة. صحيحٌ أن لخان أفلاماً أخرى لا تقلّ أهمية عنها، لكن الخيارات تعكس جوانب من اختباراته السينمائية في مقاربة أحوال البيئة الاجتماعية، المنتمي إليها. تفاصيل كثيرة يلتقطها في قراءاته السينمائية. انفعالات إنسانية يُضمِّنها في طيات أعماله وحواراته ومشاهده. انتقادات لاذعة، وإنْ تكن مبطّنة، يسوقها، ليس على حساب الصورة السينمائية، لأنه سينمائيّ، وهذا أساسيٌّ وكافٍ.

لن يُختزل التكريم بعروضٍ فقط. محمود عبد الشكور ألف كتاباً عنه بعنوان "سينما محمد خان: البحث عن فارس" (تُقام ندوةٌ عن السينمائيّ والكتاب). أصدر المهرجان مطبوعات عديدة في كلّ دورة. هذا الكتاب جزءٌ منها. رحيل خان صادمٌ، لكنه لن يحول دون استكمال المُقرَّر. غلاف الكرّاس الخاص بـ "آفاق السينما العربية 3" يحمل صورته، والتقديم كلمات انفعالية عادية، مليئة بأخطاء لغوية، تقول عن الراحل إنه "أحد أهم علامات السينما المصرية منذ سبعينيات القرن الماضي"، وإنه يترك، بعد رحيله في 26 يوليو/ تموز 2016، أعمالاً مهمّة، وروحاً إنسانية، وطفولة ونبضاً مستمراً. تُعبِّر الكلمات عن "حب وحزن" فريق عمل "آفاق السينما العربية" لمن عملوا معه في مهرجانات وأحداث عديدة.

كتاب عبد الشكور مختلفٌ. التعبير عن انفعالٍ شخصيّ إزاءه، يُقابله محاولة نقدية لقراءة أفلامه وأسلوبه وعالمه وتفاصيل اشتغالاته. التكريم يحول، غالباً، دون التعمّق في النقد، والنقد لن يعني أبداً أحد أمرين: سلبي أو إيجابي. إنه قراءة للصنيع الإبداعي، تفترض توغلاً في أعماقه، وتفكيكاً لمساربه، ونقاشاً لحالاته وأفكاره ورؤاه. التكريم يحول دون الغوص المعمَّق في هذا كلّه، لأنه تحية مكتوبة لصانعِ صورة وجمال سينمائيين. وهذا لن يُقلِّل من الجهد الشخصي للكاتب في متابعته العالم السينمائي لخان، إذْ يُقدِّم تصوراتٍ ومعالجاتٍ تحليلية لأفلامه الـ 25، بدءاً من "البطيخة" (روائي قصير، 1972)، وصولاً إلى "قبل زحمة الصيف" (روائي طويل، 2016). هذا يُحسَب له، إذْ تخلو كتبٌ عديدة من أفلامٍ قصيرة أو وثائقية يُنجزها سينمائيون، هم مواضيع الكتب.

التكريم مساحةٌ لاستعادة بعض ملامح تلك السينما التي توصف، نقدياً، بانتمائها إلى "الواقعية الاجتماعية"، والتي يراها البعض "سينما سجالية"، تعكس هيام السينمائي الراحل بفنّ الصورة، وبدلالاته وأدواته وقدراته الدائمة على الإيحاء الجميل، والبوح الأجمل، من دون إغفال حكاياتها.


المساهمون